أوردت صحيفة القبس الخبر التالي في عدد يوم الخميس 5 أغسطس الجاري: "الإعلان عن خطة لتسليح الشرطة النسائية قريباً، وسيتم في البداية تزويدهن بأسلحة خفيفة مثل الكلبجات والعصي وغيرهما لإكسابهن القدرة على التعامل مع الأحداث" انتهى الاقتباس.
من يقرأ هذا الخبر يتساءل: هل هو قرار تم البت فيه؟ أم بالون اختبار لجس نبض الشارع والقوى المتصارعة على الشأن النسوي، وحدود ما يصح لهن وما لا يصح؟ وأظنه تساؤلاً مشروعاً خاصة بعد متابعة ما يحدث في الساحة المحلية من "هوشات" بشأن الشرطة النسائية، ابتداءً من "حجابهن" مروراً بالخوض والتدخل في "أماكن وجودهن" وانتهاءً إلى "تضاريسهن" التي يجب أن تمحى محواً!ولعل القارئ للخبر يشعر بتلك الضبابية التي ترين على لغة الخبر وصياغته وتضعه في خانة الخبر المتذبذب الذي يحتمل الصدق والكذب حسب ما ستتمخض عنه ردود الأفعال. فالأمر مجرد "خطة"، كما أن لغة التسويف واضحة في "سيتم"، وقصد التهوين والحذر واضح في "البداية" و"أسلحة خفيفة"!لله در المرأة، كم تحملت من المتربصين والقوَامين وولاة الأمر والمحارم... إلى آخر سلسلة الأوصياء على جسدها وإرادتها وحياتها! ولن يكون موضوع حملها للسلاح– في يقيني- آخر هم الذكورة المتغطرسة، هذا طبعاً بعد أن يشبعوا الموضوع دراسة وجدلاً وإحالات إلى "الجائز" و"المكروه" و"المحرم"... إلى آخر سلسلة ثقافة النهي والزجر.حين ننظر إلى موضوع التسلح أو استخدام السلاح عبر تاريخ البشرية، تصادفنا أول صورة تعود إلى الإنسان في العصر الحجري، والغريب أن الصورة ذات صلة مباشرة بالمرأة، وإن كانت بشكل شائن ومهين! إنها صورة الرجل البدائي وهو يحمل الهراوة بذراعه اليمنى، ويجر امرأته من شعرها بذراعه اليسرى، وهي تبدو مستسلمة وفاقدة للإرادة! ثم تتسع الصورة لتظهر الرجل إما صائداً للطرائد والوحوش البرية أو مقاتلاً جسوراً في ميادين المعارك، وهو يحمل أسلحته من مقاليع وسيوف ورماح ونبال... إلخ. وكلما اتسعت صورة الرجل المدجج بالأسلحة والمنطلق إلى الخلاء والبرية، انكمشت صورة المرأة داخل أحجبة الخيام والجدران والبيوت، وبدت مجردة من القوة والسلاح وإرادة الفعل.وبناء على ذلك، يبدو لنا أن التجرد من السلاح كرّس الشعور بالضعف وقلة الحيلة والتبعية لدى المرأة، وكلما زاد جهلها بالسلاح واستخدامه زاد اتكالها واستسلامها "لشهامة" الرجل ونجدته التي قد لا تأتي في مصلحتها دائماً! والطريف في هذا المقام أن المرأة حين تحتار أمام أعدائها ويُسقط في يدها فإنها تلجأ إلى السم في أسوأ الأحوال، أما في أهونها فتلجأ إلى أظافرها وأسنانها للدفاع عن النفس وهي أسلحة حصرية للنساء، ثم لا يبقى من أسلحة أخرى غير سلاطة اللسان التي قد تبرع فيها بجدارة.نعود إلى الخبر أعلاه لنقول إن مشهد فتياتنا الشرطيات وهن يحملن العصي ويلوحن بـ"الكلبجات" سيكون أمراً مطمئناً للحفاظ على سلامتهن أولاً، ثم لردع كل من تسول له نفسه استضعافهن أو الاستهانة برتبهن المهنية ثانياً، وأخيراً لعل ذلك يكون بشارة خير نحو تغيير الصورة النمطية عن ضعف المرأة وقلة حيلتها أمام تحديات حياتها المعيشية.
توابل - ثقافات
مرحباً بالسلاح
12-08-2010