كانت مريم تتجول بين الأطفال، تود أن تشاركهم اللعب، كلما سرحت في لعبة شدتها أمها مسرعة لتمضيا، في ساعات الظهيرة تستغل انشغال أمها وتتسلل للعب في غرفة إخوانها، وحين تضبطها أمها تمارس حقها في اللعب والطفولة تصرخ عليها: «أنت كبيرة الحين لا داعي للعب، تعلمي شيئا مفيدا».

Ad

في «الزوارة» يتراكض الأطفال فتتركها أمها مضطرة فتلعب وتركض، لكن حجابها يعيقها عن الحركة، فترفع كمها وتبدأ باللعب بالصلصال والطين، إذ تهوى مريم كثيرا الألعاب اليدوية، وفي نهاية «الزوارة» ترتسم الفرحة على وجهها، فهذا هو اليوم الوحيد في الأسبوع الذي تمارس فيه طفولتها التي لم تتعد السابعة بعد، ولا ترى نفسها كـ»النساء» إلا عندما تذكّرها أمها.

تذهب مريم إلى المدرسة، فتجد هذا الشيخ الذي تخاف هيئته حينما يطل عليهم من التلفاز، فهو يخيفها بصوته والأناشيد التي تتحدث عن عذاب القبر، وغالبا ما تهرول راكضة إلى غرفتها حينما يبدأ برنامجه، واليوم تراه وجها لوجه في مدرستها أصيبت بخوف شديد، وباتت ترجو مدرستها بأنها لا تريد أن تحضر الندوة، ولكنهم كعادتهم أجبروها على الحضور.

حدثهن كثيرا عن الحجاب، وكيف سيحميهن من عيون اللصوص والعابثين، وأن هذا الحجاب الذي يحاول الغرب أن يحاربه لكنه يزداد في كل يوم، للأمانة لم تفهم مريم شيئا، ولم يكن يعنيها الأمر كثيرا، فهي ارتدت الحجاب حالها كحال طفلات عديدات لا يعرفن كثيرا عنه، لكنهن يعرفن أن هناك حفلة ستقام لهن، وسيتم تكريمهن ويشعرن بسعادة غامرة حين يتجمعن في هذه الحفلة، لأنهن يسعدن بالجوائز وبتكاثرهن، رحل الشيخ ومازالت مريم لا تحبه فهو مخيف على حد قولها.

حضرت زينب وحصة إلى مريم في الفرصة، وقالتا لها: لقد سمعنا من «الأبلة» أن الحجاب فرض بعد البلوغ «ليش حجبونا الحين عيل»؟

شعرن بحسرة، تدفقت الدموع من العيون فهن لم يسبحن في حمامات السباحة أو البحر إلا بعد أن يلبسن «المايوه» الإسلامي، وأخرى تحلف بأنها لم تعد تعرف ماذا تلبس بسبب صغر حجمها، وعدم وجود ملابس للمحجبات في سنها، والثالثة نسيت متى آخر مرة لعبت مع أبناء خالتها، فأبوها منعها من الاختلاط معهم منذ أن بلغت السادسة من عمرها... لم يعشن طفولتهن.

في البداية ظننّ أنهن ضحّين من أجل الدين، لكنهن اكتشفن لاحقا أن تضحيتهن بدأت مبكرا جدا، حتى قبل أن تكبر أجسادهن، إذ وئدت طفولتهن.

قفلة:

قمة التناقض أن يحدثك شيخ دين عن أضرار الاختلاط، وتجده أول الحاضرين لأي محاضرة فيها نساء، وقمة التناقض أن يبرر اختلاطه بأنه لأسباب حميدة، ومن ثم يأتيك بعبارة الغاية تبرر الوسيلة، طيب، نحن قلنا من الأساس لا ضرر في الاختلاط إن تم بطريقة طبيعية، ولكن أمثالكم هم من جعلوا من الاختلاط فسقا حتى باتت أكثر المجتمعات التي تمنعه هي الأكثر فسادا ولكن في الخفاء!