حكاية اهديها إلى وزير الداخلية
أحمد، وافد عربي يعمل مساعداً تنفيذياً في إحدى الشركات الكويتية الرائدة، وهو في البلاد منذ أكثر من 15 عاما. شخص هادئ الطباع، خفيض الصوت، من عشاق السير بجانب الحائط، للابتعاد عن المشاكل، ورغبة في عدم إزعاج أي كان، سجله نظيف جداً، كنظافة هندامه وحرصه الواضح على الاعتناء بصحته، لا يوجد عنده ولا حتى مخالفة مرورية واحدة.
اعتاد أحمد منذ أن قدم إلى الكويت أن يحضر والديه المسنين في كل عام ليقضوا معه وأولاده بعض الوقت، وفي كل مرة كان يقدم طلبه لإدارة الهجرة وفقا للإجراءات المتبعة، وكان لا يمانع ولا يتذمر، بطبيعة الحال، من أن يوفر كل الوثائق المطلوبة، كشهادة الراتب وعقد الزواج وعقد الإيجار وغيرها، فهو مواطن عربي يعرف ويدرك تماماً أن هذا الروتين هو جزء أصيل من عمل أي إدارة حكومية في العالم العربي، وأن البيروقراطية تتعانق والعروبة وتتشابك معها، بل تشترك معها في عدة حروف، قد تجعلنا نتخيل بأن للكلمتين أصلاً لغوياً واحداً!مضت السنوات، وكانت الأمور تسير كعادتها دون أي مشاكل، قد تستحق من أحمد أن يتوقف عندها طويلاً، فكل شيء كان مآله إلى الحل بقليل أو كثير من الابتسامات، وبقليل أو كثير أيضا من «طول البال»، إلا أن أحمد اصطدم أخيراً بحاجز خارج عن المألوف الذي عرفه وتصاحب معه طوال السنوات الماضية! يقول أحمد إنه عندما تقدم منذ أيام بذات المعاملة المعتادة، وذلك لاستقدام والديه العجوزين، فوجئ بالرفض من قبل إدارة الهجرة، بعدما خُتِم على الأوراق عبارة «مرفوض أمنياً»، وبالطبع لم يجد من يقبل أن يشرح له ما الحكاية، لأن العبارة التي ختمت بها الأوراق كانت كافية لأن تجعل الجميع يلتزمون الصمت لأن «السالفة صارت سالفة أمن دولة»، على حد تعبيرهم!هنا، وعلى غرار كثير من الروايات العربية ثقيلة الدم، تلك التي ترسم المشهد العربي كما هو، انتهت قصة صديقي أحمد. لكنني، وبالرغم من هذه العبارة المليئة بغموض الأفلام البوليسية والتي أوقفت بها المعاملة، لواثق تماماً أن الموضوع ليس به لا أمن دولة ولا من يحزنون، وأنه في الغالب لا يعدو اجتهاداً شخصياً من أحدهم، لسبب من الأسباب، وما أكثر الأسباب وما أغربها في مثل هذه الحالات، وحتى دون النظر في الأوراق المقدمة، وإلا فما الذي تغير أو طرأ على حالة هذين العجوزين اللذين اعتادا دخول البلاد بشكل قانوني وبصورة دورية دون أي مشاكل؟! هل تحولا، مثلاً، مع تقدمهما بالعمر إلى قنبلتين موقوتتين؟ أو سلاحين من أسلحة الدمار الشامل؟ أو أنهما قد صارا يشكلان خلية إرهابية متقدمة في السن وبالغة الخطورة؟! فعلاً، شر البلية ما يضحك.ليس المراد من هذا المقال، في المقام الأول، مناشدة وزير الداخلية لتصحيح هذه المسألة غير المقبولة، وإن كان هذا جزءا من الأمر ولا شك وكل المستندات المطلوبة في حوزتي، ولكن المراد الأهم هو مناشدته لتصحيح سائر الأمر، فليس من المعقول أن يستخدم هذا الختم الحساس، «مرفوض أمنيا»، بهذه الطريقة المفرغة من المضمون والقيمة، لإيقاف هذه المعاملات الصحيحة والمستوفية للشروط القانونية دون أي وجه حق، ودون إعطاء أي توضيح.نعم، أستطيع أن أتفهم وأقدر الهاجس الأمني، وأدرك تماماً حساسية الوضع الأمني، وجسامة الضغوط الملقاة على عاتق وزير وزارة الداخلية وقياداتها، لكن هذه القصة التي جئت بها هي نموذج على ممارسة سلبية مسيئة لا يمكن القبول بها على الإطلاق، لذلك أرجو من معالي وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد، الالتفات العاجل لهذا الأمر، خصوصاً أنه قد عودنا دائما على سرعة التجاوب مع ما تطرحه وسائل الإعلام.