1 - الخبر الأبرز في العالم العربي اليوم وبامتياز هو خبر سقوط مرشحي جماعة "الإخوان المسلمين" في الانتخابات التشريعية المصرية، والتي قررت خوفاً من سقوط مدوٍ آخر- مثلما تمَّ في الجولة الأولى- الانسحاب من انتخابات الإعادة.  

Ad

وكان "الإخوان" في الأردن قد قاطعوا الانتخابات التشريعية التي جرت أخيراً، لكي يتحاشوا على ما يبدو السقوط المروع الذي شهده "الإخوان" في مصر، في الأمس، والذي وضع "الإخوان" كحزب ديني يدعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية فيما لو وصل إلى السلطة، في المكان السياسي الصحيح، في الحياة السياسية المصرية.

2 - فما الأسباب التي أدت إلى السقوط المروّع لهذه "الجماعة"، التي فازت في انتخابات عام 2005 بثمانية وثمانين صوتاً، استطاعت أن تحصل عليها بالحيلة أكثر مما حصلت عليها بالجهد السياسي. وهي أنها ألقت في روع الناخب المصري بألا علاقة سياسية، أو دينية، أو تنظيمية لها، بمعظم المرشحين. وأن هؤلاء من المستقلين، وليسوا من التنظيم "الإخوانجي". ولكن ما إن فاز هؤلاء، حتى أعلنوا تحت قبة مجلس الشعب المصري أنهم من التنظيم "الإخوانجي"، وأن شعارهم هو "الإسلام هو الحل"، وأن مرشدهم العام السابق محمد عاكف هو القائل "طز في مصر وأهل مصر" . وقد حفظ الناخبون المصريون للإخوان هذا القول، وعاقبوهم عليه في انتخابات الأمس، وأسقطوهم شر سقطة.

فما أسباب وتداعيات هذا السقوط المروّع؟

1 - لقد أحسنت السلطات المصرية صُنعاً حين سمحت لجماعة الإخوان المسلمين بفتح مكاتب لها في القاهرة، وبقية أنحاء مصر، كما سمحت لأعضاء وقيادات هذه الجماعة بالنشاط السياسي والديني / السياسي، وعقد المؤتمرات الدورية السنوية والصحافية من حين لآخر، ومهاجمة السلطة الحاكمة هجوماً لم يسبق للجماعة أن قامت به في العهد الملكي، أو في العهد الجمهوري الناصري والساداتي. وأتاحت هذه السلطة للجمهور المصري والشارع السياسي / الديني المصري لكي يتعرف على الخطاب السياسي / الديني ونشاطات هذه "الجماعة" على أرض الواقع المصري، وليس من خلال الشعارات، والكتيبات، والنشرات السياسية / الدينية فقط. وكانت (ضربة المعلم) الحقيقية، حين أتاحت السلطة في عام 2005 لعدد 88 مرشحاً للفوز في الانتخابات التشريعية. وقالت السلطة للشعب تعالوا لنرى ماذا سيفعل "الإخوان" في مجلس الشعب. وهم الذين ملؤوا الدنيا شعارات وصراخاً، وأحلاماً، وآمالاً عريضة. وأمضى هؤلاء النواب الـ88 خمس سنوات في مجلس الشعب المصري، دون أن يقدموا للناخب المصري ما يجب عليهم أن يفعلوه، لأنهم كانوا لاهين عن مطالب هذا الشعب الحيوية بالقشور والمظاهر الأخرى كالحجاب، والنقاب، والحرس الجامعي... إلخ.

2 - اتصفت سياسة "الإخوان" بالتخبط وعدم وضوح الرؤيا، والمثال الحي على ذلك أن "الإخوان" – مثالاً لا حصراً - يعتبرون من ناحية إسرائيل "ورماً سرطانياً"، في حين أن مرشد "الإخوان" العام السابق محمد عاكف أعلن عام 2005، أنه سيحترم المعاهدات كافة الموقعة بين مصر وإسرائيل بما فيها معاهدة "كامب ديفيد" 1979، مما كان محلَّ نقد قيادات "إخوانية" مختلفة كعصام العريان وعبدالمنعم أبو الفتوح، وغيرهما.

3 - "الحزب الوطني" الحاكم ليس هو الحزب القوي، ولن يبقى حاكماً كذلك إلى الأبد، إنما الضعيف هو المعارضة المصرية الهزيلة والمهلهلة، وسيبقى الحزب الوطني قوياً ومسيطراً على الحكم مادامت المعارضة على هذا النحو من الهزال، والضعف، والهلهلة. فمشكلة الأحزاب المصرية والعربية  بشكل عام- بما فيها "الحزب الوطني الديمقراطي" المصري الحاكم- أنها مرتبطة أشد الارتباط بزعمائها المؤسسين أو اللاحقين، دون الارتباط ببرنامج سياسي معين، وبنهج سياسي معين. فإذا ما رحل الزعيم أو القائد انهار الحزب وتراجع إلى الخلف، وهذا ما حصل مع أكبر الأحزاب من اليمين واليسار والوسط في مصر والعالم العربي.

4 - من ناحية أخرى، فإن المعارضة المصرية سهلة الهزيمة في أي معركة سياسية، فالحزب الديني اليميني المتمثل بـ"الإخوان" والذي أثبت فشله السياسي خلال السنوات الخمس الماضية، لم يصمد في الانتخابات الأخيرة. وحزب "الوفد" العلْماني الإقطاعي، الذي كان يسيطر عليه الباشوات إلى فترة قريبة، والذي كان من المؤمل أن يكون جبهة المعارضة العريضة والعلمانية الواعية، لم ينل ما كان يصبو إليه. ورضخ- أخيراً- لرغبات اليمين السياسي "الإخوانجي"، وتنازل عن مقعديه اللذين فاز بهما في الجولة الأولى، واستنكف عن المشاركة في انتخابات الإعادة إرضاءً لـ"الإخوان". واعتبر نفسه إلى جانب الإخوان ضد السلطة وحزبها، وهي التي أتاحت له الفرصة في بداية الانتخابات – كما لم يُتِحْ له العهد الملكي والجمهوري الناصري والساداتي بذلك- ونشرت، وأذاعت رسائله الانتخابية، وعقدت الحلقات التلفزيونية لعرض برنامجه الانتخابي. وكان رئيسه (سيّد البدوي) نجم التلفزيون السياسي المصري أثناء الحملات الانتخابية، في سبيل خلق جبهة معارضة سياسية مسؤولة، تُكمل كفتي الميزان السياسي. فيكون في مصر- كما في أي قطر ديمقراطي آخر- حزب يحكم وحزب يعارض. ويمكن أن يكون حزب "الوفد" في يوم من الأيام في الحكم والحزب الوطني في المعارضة. وكان هذا يتطلب من حزب "الوفد" جهداً سياسياً متواصلاً ومركزاً، دون الالتفات إلى مساندة من "الإخوان" الذين عاقبهم الشعب المصري في هذه الانتخابات في الأمس، عقاباً شديداً، وقاسياً.

5 - سقوط مرشحي "الإخوان" على هذا النحو سيؤدي إلى نكسة كبيرة لمعظم فروع "الإخوان" في العالم العربي، باعتبار أن المركز الرئيسي للإخوان في القاهرة هو المثال المُحتذى وهو البارومتر المعتمد. وهو ما يعني بالتالي نكسة كبيرة للأحزاب الدينية في العالم العربي كله. وهذا يعود إلى انهيارات في صفوف السلفية والأصولية التي تحدثنا عنها سابقاً. وكان مثالها طارق سويدان الداعية السلفي الكويتي المعروف الذي أنكر شعار "الإسلام هو الحل"، ورفضه جملةً وتفصيلاً. وقال في حديث لفضائية "العربية" (13/8/2010) في برنامج "وجوه إسلامية"، إن شعار "الإسلام هو الحل" لم يعُد ينفع، ولا يشفع، أو يرقع! كذلك اعتبر أن "دخول الإسلاميين إلى معترك السياسة يُسيءُ إلى الدين". أما منتصر الزيّات الداعية المصري ومحامي الجماعات الإسلامية، ومؤلف الكتب الأصولية: ("الجهاد كلمة"، 1998)، و("أيمن الظواهري كما عرفته"، 2001)، و(الطريق إلى "القاعدة، 2004)، و(الجماعات الإسلامية: رؤية من الداخل، 2005)، ومؤسس "جماعة المحامين الإسلاميين" في نقابة المحامين المصريين، والذي اعتُقل عام 1986 مع الإرهابي عمر عبدالرحمن السجين في أميركا مدى الحياة، بتهمة تفجير مركز التجارة العالمي 1993... منتصر الزيّات، قال في برنامج "مصر النهاردة" في الفضائية المصرية (12/8/2010)، وفي فقرة "اعتراف"، قال، إنه "لا يقبل بالدولة الدينية". وعندما سأله المذيع: لماذا؟ أجاب: "لأن الدينيين السياسيين كـ"الإخوان المسلمين"، يظلمون بعض المواطنين الآن، وهم خارج الحكم، فما بالك لو حكمونا غداً؟!".

وهذا غيض من فيض.

* كاتب أردني