إلقاء القبض على القائد العسكري لصرب البوسنة راتكو ملاديتش، حيث المفترض أن يُرحل إلى لاهاي ليحال إلى محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة ليحاكم هناك هو وزميله رادوفان دزيتش، الذي يعتبر المهندس السياسي للجرائم التي ارتكبت ضد المسلمين البوسنيين، يجب أن يكون عبرة للرؤساء العرب الذين غدت أياديهم ملطخة بدماء شعوبهم، فالله يُمهل ولا يُهمل، والمثل يقول: «بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين»، وهذا حصل مع كل جلاوذة التاريخ ومن بينهم صدام حسين الذي ظن في لحظة من الزمن أنه باقٍ إلى الأبد، وأن أرواح الذين شرب من دمائهم لن تطارده وتثأر منه.

Ad

لا يمكن أن تمر كل هذه المجازر، إن في اليمن وإن في سورية وإن في جماهيرية «الأخ القائد»، الذي لم يعد قائداً ولا عميد الحكام العرب، والذي لم تعد جماهيريته عظمى، بدون عقاب، فالتاريخ لا يرحم والشعوب لا تنسى ولقد كان على الرئيس بشار الأسد ألا يسلم رقبته لمجموعة الأقرباء الذين ركبوا رؤوسهم ورفضوا الاستماع لمن طالبوا بتجنب العنف وبالاستجابة لتطلعات الشعب السوري المحقة، وأصروا على اللجوء إلى الدبابات وإلى الرصاص حتى سقط أكثر من ألف شهيد، وسيق إلى الزنازين والمعتقلات عشرات الألوف... و»الحبل على الجرار» كما يقال.

لو أن الرئيس بشار الأسد قرأ أحداث التاريخ قراءة استفادة لأخذ العبر لعرف أن طاقمه القيادي سينتهي به، وقريباً هذه المرة، إلى مصير كمصير رادوفان دزيتش وكمصير صدام حسين، فهذه الجرائم، التي ترتكب ضد شعب عظيم ذنبه أنه طالب بالكرامة والحرية، لن يكون مصيرها كمصير جريمة حماة في عام 1982، فالعالم تغير والمنتظر أن روسيا ستبيعه قبل أن يصيح الديك كما باعت زعماء صربيا الذين تربطهم بها صلة عرق ودين، فالمبادئ لم تعد هي التي تقرر سياسات وتوجهات هذه الدولة التي بنيت على أنقاض الاتحاد السوفياتي، بل الصفقات والمصالح، وهذا ينطبق على كل دول الكرة الأرضية.

ثم إن ما ينطبق على الرئيس بشار الأسد، الذي أورث ابنه حافظ ديناً سيبقى يطارده إلى ولد الولد، حتى إن سلمت الجرة أيضاً هذه المرة وهي لن تسلم، ينطبق على «الأخ» علي عبدالله صالح الذي بدأ طريقه برتبة عريف في الجيش اليمني، وها هو بالفهلوة والشطارة وبالمؤامرات يتربع على كرسي الحكم لأكثر من ثلاثين عاماً، والذي كان أفضل له ولأولاده لو أنه تشبع من السلطة مبكراً، وترك الحكم كما تركه المشير عبدالله السلال، وأبقى في أذهان الأجيال القادمة في الشعب اليمني أنه قام بآخر الانقلابات العسكرية، ووحد اليمن الذي بقي غير موحد منذ مئات الأعوام ومنذ عدد من حقب التاريخ.

ألم يكن من الأفضل لهذا الرجل، الذي أعطاه اليمن وأعطاه شعب اليمن ما لم يعطياه لأي من أئمة آل المتوكل، ولأي من قادة الانقلابات العسكرية الذين سبقوه بدءاً بالمشير عبدالله السلال ثم الحمدي والغشمي، أن يتنحى مبكراً وألا ينتظر حتى يغادر صنعاء حافياً، كما قال الشيخ صادق بن عبدالله الأحمر، وحتى يصبح مطارداً وينتهي على عود مشنقة، كما انتهى صدام حسين، وكما انتهى سلوبودان ميليسوفيتش، وقبل ذلك كما انتهى شاه إيران الذي رفضته حتى أميركا التي خدمها كعميل تابع طوال فترة حكمه الذي كان فقده تحت ضغط الثورة البيضاء التي قادها مصدق، ثم أعادته إليه المخابرات الأميركية.

أما بالنسبة إلى الأخ قائد الثورة الذي أكل رفاقه واحداً بعد الآخر، إلى أن استبد بالحكم أكثر من أربعين عاماً أذاق خلالها الشعب الليبي كل ألوان الذل والهوان، أفلم يكن من الأفضل له بعد أن حمل هذه الألقاب كلها، ومن بينها عميد الحكام العرب! وملك ملوك إفريقيا، أن يسلم الأمانة إلى أصحابها لئلا يأتي اليوم الذي سيساق فيه حتماً إلى المحكمة التي سيق إليها سلوبودان ميليسوفيتش ورادونان دزيتش، وهذا الجزار الذي ألقي القبض عليه قبل أيام وسيساق إليها، أي راتكو ملاديتش.