«ويكيليكس»... وعزيزو العولمة!

نشر في 03-12-2010
آخر تحديث 03-12-2010 | 00:01
 د. حسن عبدالله جوهر الجندي الأميركي الشاب برادلي مانينغ يفترض أن يبنى له تمثال لأنه بالفعل إبليس بشري لم يتجاوز الثالثة والعشرين من العمر، ولكنه ربط عصائص العالم برمته من خلال تسريبه لمئات الآلاف من البرقيات والتقارير السرية كشف من خلالها الوجه الحقيقي للسياسة العالمية.

وكالعادة وانطلاقاً من مبدأ حكم القوي على الضعيف فقد ترك العالم الفضائح والمؤامرات التي يحيكها الزعماء والمسؤولون ضد بعضهم بعضا وحتى ضد شعوبهم وأصدقائهم، وراحوا يلاحقون هذا الولد الصغير وما اقترفه من جريمة نكراء على حد وصف هيلاري كلينتون!

والسؤال المهم حول تقارير "ويكيليكس" يجب أن يدور حول المجرم الحقيقي، فهل هو من سرب هذه المعلومات أم من أمضى تلك الساعات الطوال في حبك الدسائس والتحريض على القتل وشن الحروب والتجسس وملاحقة الناس؟ فعلاً... إنه عالم محير والمعايير فيه معكوسة و"مخربطة"!

ولكن وفي كل الأحوال فقد أعطى الجندي مانينغ للعالم وعلى طبق من ذهب مسرحية جذابة ومادة إعلامية اختزل فيها مفهوم العولمة على طريقته الخاصة قولاً وفعلاً، وخدم شعوب العالم خدمة مجانية صرفت الحكومات، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخباراتية وهيئاتها الدبلوماسية، المليارات وترجم حقيقة المثل القائل "اللي ما يشتري يتفرج"!

فمن لا يعرف أن العلاقات الدولية ومنظومتها الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية تقوم على اللف والدوران والتآمر والصفقات والخطط السرية والتجسس؟ ومن لا يعرف أن مطبخ السياسة الخارجية يعتمد على الحوارات والاتفاقيات المبطنة واللقاءات الخفية؟ ومن لا يعرف أن السياسة لها وجه ظاهري جميل ومهندم بأناقة اللبس والعبارات اللبقة أمام شاشات الفضائيات ووجه آخر في البطن يحمل كل ملامح الخبث والجريمة وطلاسم الشيطان؟

فلماذا كل هذه الضجة والسعي وراء تكذيب الوثائق المسربة؟ إن ما فعلته "ويكيليكس" لا يعدو مجرد اختزال للزمن وسرعة تدفق المعلومات، فعادة تقوم بعض الحكومات مثل بريطانيا بنشر وثائقها السرية بعد فترة طويلة من الزمان تبعاً لدرجة سريتها فتبوح ببعضها بعد 30 عاماً وبعضها الآخر بعد 100 عام، وهي لا تختلف عما نشرته "ويكيليكس".

كما أن الكثير من زعماء العالم ينشرون مذكراتهم بعد ترك مناصبهم السياسية ويسردون الكثير من الأسرار الخفية والصفقات السرية والحوارات الخاصة جداً وتدر عليهم الأموال الطائلة، كما يقوم بعض الجواسيس بتأليف الكتب حول تجاربهم الشخصية وما تحتوي من فضائح وتتلهف وراءها وسائل الإعلام، بل إن بعض الصحفيين يقوم بنشر معلومات ووثائق يعتبرها الجميع سبقاً صحفياً يتم تكريمهم على ذلك ويجنون المال الوفير!

إن الفرق بين "ويكيليكس" ونجمه الشاب مانينغ، وكل ما سبق أن المذكرات التاريخية لا تنشر إلا بعد وقت طويل يكون عندها أبطالها إما قد فارقوا الدنيا، وإما أصابهم العجز والخرف، وإما أنها تذكر تفاصيل حدث جزئي محدد، ولكن "ويكيليكس" وضع أبطال السياسة المعاصرين في العالم أمام عرض سينمائي واحد وبنقل حي ومباشر، ولذلك فمن الطبيعي أن تتوحد كلمتهم حول مصطلحات النفي والغضب والاستنكار وهذا ليس بغريب في عالم السياسة على الإطلاق!

back to top