أزعم أن مساحات الفرح في حياتنا المعاصرة أصبحت معرضة للتصحّر رويداً رويداً، لسبب ما أو ربما لأسباب عديدة، لم يعد الفرح مواطناً شرعياً في رقعة القلب، أصبح هذا المواطن مهدداً دائماً بالاعتقال والطرد خارج حدود قلوبنا، ومهدداً في أي لحظة بالمداهمة المسلحة، حيث يقيم الفرح مطالب دائماً بحمل أوراقه الرسمية، التي تثبت أن له حق التجول في ساحات المشاعر العامة، والجلوس في مقاهيها، وممارسة الفرجة في حدائقها العامة.

Ad

إنه مطالب عند ممارسة ذلك بحمل كل الأوراق المختومة بالأختام الرسمية التي تمنحه هذا الحق، وإلا تعرض للتوقيف ومن ثم الترحيل في أقرب لحظة.

حتى في المناسبات المخصصة للفرح كالأعياد مثلا، مهدد هذا الفرح بالاغتيال أو الاختطاف من قبل أعدائه، ولا يجد من يحميه أو يحفظ له حقه الكامل بالوجود حتى في المناسبات المخصصة له!

هناك من يحاول مصادرة الفرح من صفحة أيامنا بدون وجه حق.

هناك من الناس من تمتلئ قلوبهم بالسواد لدرجة أنهم يكرهون رؤية الآخرين متأبطين يد الفرح في الأماكن العامة، يتناولون معه خبز السعادة الطازج، ويشاركونه فنجان بسمة ساخن، ويأخذونه إلى منازلهم ليعرفوه على أفراد أسرهم، وقد يرتبون له غرفة الضيوف بقصد الإقامة معهم بضعة أيام قليلة.

هناك من يغيظه ذلك!

في العدد الماضي لصفحة الرواق الذي صادف أول أيام عيد الفطر السعيد، قرأت أكثر من قصيدة تنشر الهمّ والكآبة في صباح العيد.

تخيّلوا قصائد تتلو آيات الحزن في صلاة الفرح!

قصائد شوّهت وجه بهجتنا، وسببت لها الأذى، وسرقت الخضرة من ثوب أغصانها، وجففت الندى عن أزهارها، وكل ذلك بدافع من الأنانية البشعة التي مارسها الشاعر لاستلاب فرحتنا لأن حبيبته هجرته قبل العيد!

وآخر يظهر بمظهر الإنسان الأكثر نبلا كأن يحاول خطف فرحتنا يوم العيد بحجة أن هناك أطفالا أيتام، أو بلا مأوى، أو أن هناك أناسا آخرين يعانون الفقر، وهذه الأسباب وإن بدت أكثر إنسانية فإنها في حقيقتها مخادعة، ولا هدف لها سوى حرمان الآخرين من استنشاق نسائم الفرح ولو لأيام محدودة، إذ إننا لو منعنا مظاهر الفرح والإحساس به لأن هناك أناسا يعانون لأي سبب من الأسباب لما استطعنا الفرح أبدا، وكان الأجدى لو أننا بدلا من أن نحرّم الفرح على أنفسنا، أن نساهم ولو بجهد بسيط في إسعاد ولو شخصا واحدا من هؤلاء قدر استطاعتنا في يوم العيد ليشاركنا الفرح.

لو دخل أحد مجلس عزاء، ثم أخذ بسرد النكات والطرائف، لاعتبر ذلك سلوكا بشعا مخالفا للذوق والأخلاق والكياسة الاجتماعية، ولتعرض ذلك الشخص لأقسى الانتقادات، لماذا لا يعاقب أيضا من يدخل مجلس الفرح ويحاول نشر الكآبة والحزن فيه؟!

أتمنى أن يُحجر على كل الأشخاص الذين يحاولون سرقة الفرح من بين أهدابنا، وأن يتم منعهم من التواصل مع الآخرين طوال فترة الأعياد ومناسبات الفرح، فحاجتنا إلى السعادة والإحساس بالبهجة أكثر من حاجتنا إلى إشعال شموع الحزن.

إياكم أن تدعوا هؤلاء يخطفون أفراحكم من أيديكم، إن فعلتم ذلك فأنتم تشاركونهم الإثم العظيم.