«اسكوتلاند يارد» تعتقل أسانج... و«ويكيليكس» ماضٍ في «الفضح»

نشر في 08-12-2010 | 00:01
آخر تحديث 08-12-2010 | 00:01
• محكمة بريطانية ترفض طلب الإفراج عن مؤسس «ويكيليكس» بكفالة
• «الولايات المتحدة تخوض معركة متواصلة ضد التسلّح في الشرق الأوسط»
رغم تحدُّث أكثر من هيئة رسمية دولية بشأن كيفية العمل على وقفه قانونياً، لم يؤدِّ نشر موقع «ويكيليكس» للوثائق الأميركية الدبلوماسية السرية، بمؤسسه الأسترالي جوليان أسانج إلى السجن، بل إن مذكرة اعتقال سويدية بتهمة اغتصاب في السويد، هي التي قادته إلى ما وراء القضبان. وقد تعالت بعض الأصوات الداعية إلى حمايته، من جانب تجمّعات للكتاب والصحافيين والمحامين والمثقفين، لا سيما من بلده الأم أستراليا، وذلك بعد تلقيه عدداً من التهديدات الخطيرة على حياته.

بعد صدور عدة مذكرات دولية وأوروبية من أجل اعتقاله، ألقت الشرطة البريطانية "اسكوتلاند يارد" أمس، القبض على مؤسس موقع "ويكيليكس" الإلكتروني، الأسترالي جوليان أسانج، في لندن بناء على مذكرة الاعتقال الأوروبي الصادرة بحقه على خلفية اتهامه في قضية اعتداء جنسي في السويد.

وأعلنت "اسكوتلاند يارد" أنه تم اعتقال أسانج عندما وصل إلى لقاء متفق عليه في مركز شرطة العاصمة لندن. وأضافت أن أسانج سيمثل أمام أحد القضاة في العاصمة البريطانية ليتقرر ما إذا كان سيتم تسليمه للسويد أم لا. ورفضت محكمة بريطانية في وقت لاحق طلب الإفراج بكفالة الذي قدمه أسانج.

في غضون ذلك، أكد موقع "ويكيليكس" أمس، أن اعتقال مؤسسه جوليان أسانج لن يؤثر على عمل الموقع الذي سيستمر في نشر الوثائق السرية.

وأصدر "ويكيليكس" بياناً على صفحته على موقع "تويتر" الاجتماعي قال فيه إن "إجراءات اليوم ضد رئيس تحريرنا جوليان أسانج لن يؤثر على عملياتنا: سننشر المزيد من الوثائق الليلة كالمعتاد".

ترحيب رسمي

في المقابل، اعتبر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس خلال زيارته المفاجئة إلى أفغانستان أمس، أن توقيف أسانج يشكل "نبأ ساراً".

ورحب وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني بنبأ اعتقال مؤسس "ويكيليكس" وقال إنه جاء "في وقته".

ضبط التسلّح

وفي السياق نفسه، كشفت برقيات دبلوماسية جديدة سرّبها "ويكيليكس" أن الولايات المتحدة تخوض معركة متواصلة لوقف تدفق الأسلحة من أوروبا الشرقية والصين إلى أنظمة ومجموعات إسلامية في الشرق الأوسط، وأنها حذرت سورية مراراً من تهريب سلاح إلى "حزب الله" لأنه "يضر بالمصالح الأميركية".

ونقلت صحيفتا "نيويورك تايمز" الأميركية والـ"غارديان" البريطانية عن برقيات دبلوماسية أميركية سُرّبت ليل أمس الأول، أن الولايات المتحدة تبذل جهوداً كبيراً لمنع تكديس الأسلحة بينها صواريخ سكود ومدرعات من زمن الحقبة السوفياتية وأسلحة مضادة للطائرات في الشرق الأوسط.

صفقات أسلحة

وكشفت البرقيات أن المسؤولين الأميركيين حاولوا التدخّل في أكثر من عشر صفقات أسلحة دولية تورطت فيها دول مثل أوكرانيا وبلغاريا وأرمينيا والصين لبيع أسلحة إلى إيران والعراق واليمن وجنوب السودان.

وذكرت إحدى البرقيات أن مسؤولين أميركيين حاولوا منع تاجر سلاح صربي من بيع أسلحة لوزارة الدفاع اليمنية بقيمة مئة مليون دولار بينها ذخائر للمدفعية الثقيلة وأسلحة قنص وأسلحة مضادة للطائرات ومدافع، وتخريب صفقة لبيع تكنولوجيا صاروخية صينية لباكستان.

وقال دبلوماسيون أميركيون في البرقيات إن لديهم معلومات استخباراتية مفادها أن "اليمن يسعى للمزيد من صفقات السلاح مع دول في أوروبا الشرقية مقابل ما بين 30 و55 مليون دولار للصفقة"، ما أثار مخاوف واشنطن من أن تصل الأسلحة إلى السوق السوداء في اليمن وبالتالي إلى حركة حماس.

وحذرت السفارة الأميركية في صوفيا في يناير الماضي، "الحكومة البلغارية من الموافقة على صفقة يشتبه في أن الإمارات تموّلها لإرسال 30 ألف بندقية و100 ألف طلقة ذخيرة شديدة الانفجار وقاذفات قنابل إلى اليمن عبر شركات أرسنال البلغارية لصناعة السلاح".

وأظهرت البرقيات أيضاً أن الدبلوماسيين الأميركيين وبّخوا عام 2008 وزير الدفاع الأرميني لأنه سهّل شخصياً بيع مئة صاروخ بلغاري مضاد للدروع وأسلحة لإيران استخدمتها جماعات شيعية في العراق.

وبيّنت البرقيات أن وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس أمرت أيضاً عام 2008 دبلوماسيين أميركيين بتقديم شكوى إلى الصين بشأن أسلحة صينية بيعت لإيران واستخدمتها جماعات شيعية ضد القوات الأميركية في العراق.

وكتب رايس في برقية تعود إلى مايو 2008: "نعلم أن إيران زوّدت بأسلحة صينية مجموعات متطرفة في العراق وأفغانستان استُخدمت في قتل أميركيين وعراقيين وهو أمر نأخذه بجدية كبيرة".

وتظهر البرقيات أن الجيش الأميركي طلب الولوج إلى الأجواء اليمنية لتنفيذ عمليات استطلاع ضد مهربي السلاح الذين يستخدمون قوارب لنقل السلاح عبر البحر الأحمر إلى السودان ومن ثم براً إلى حماس والأراضي الفلسطينية.

وبحسب البرقيات، فإن دبلوماسيين أميركيين أعربوا في أكثر من مناسبة عن قلقهم العميق من طائرات شحن كبيرة تشغلها شركة خطوط "بدر" الجوية السودانية تنقل أسلحة من طهران إلى الخرطوم ومنها إلى "حماس".

وطلبت واشنطن من دول في المنطقة منع الشركة من تسيير رحلات ليلية، وكشفت برقية مؤرخة في فبراير 2009 بأن "الأردن ودولاً عدة في المنطقة وافقت، إلا أن اليمن رفض".

مصر وإيران

وكشفت برقية بتاريخ أبريل 2009 أن "مدير جهاز الاستخبارات المصري اللواء عمر سليمان أبلغ قائد هيئة الأركان الأميركية المشتركة مايكل مولن أن إيران لا تخصص 25 مليون دولار فحسب لدعم "حماس" بل لها علاقة بخلية "حزب الله" التي حاولت تهريب أسلحة من غزة إلى مصر".

وذكرت البرقية أن "مصر بعثت رسالة إلى إيران تحذرها من أنها إذا تدخلت في مصر فإن مصر ستتدخل في إيران"، مضيفةً أن "سليمان قال إن بلاده لديها عملاء مدربون لهذا الغرض".

وكشف مسؤولون استخباراتيون أميركيون وبرقية كتبتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن كوريا الشمالية حرضت على سباق التسلح في الشرق الأوسط من خلال تزويد إيران وسورية بتكنولوجيا صاروخية.

سورية و«حزب الله»

وفي برقية تعود إلى نوفمبر 2009، موجهة من القائم بالأعمال الأميركي في دمشق إلى وزارة الخارجية الأميركية اعتبر الأخير أن "دعم سورية الثابت لتعزيز قدرات حزب الله العسكرية خصوصاً تزويدها المتواصل بصواريخ بعيدة المدى وصواريخ موجهة، من شأنه أن يغيّر التوازن وينتج سيناريو أكثر تدميراً من حرب يوليو 2006" التي شنّتها إسرائيل على لبنان.

وأضافت الوثائق أن من بين الصفقات الأكثر إثارة للقلق تزويد سورية أو إيران، حزب الله بصواريخ "فتح 110" القادرة على بلوغ تل أبيب. وقال مسؤولون إسرائيليون لنظرائهم الأميركيين في نوفمبر 2009 إنه إذا اندلعت الحرب فإن "حزب الله" سيحاول إطلاق 400 إلى 600 صاروخ يومياً ومواصلة الهجمات على الأقل لشهرين.

وفي فبراير الماضي أعلن البيت الأبيض أنه سيعيّن سفيراً في دمشق بعد قطيعة دامت خمس سنوات، وبعد يوم واحد التقى وكيل وزارة الخارجية الأميركية وليام بيرنز بالرئيس السوري بشار الأسد حيث أثار المخاوف الأميركية من أسلحة يتم تهريبها إلى "حزب الله"، فردّ الأسد بأنه ليس شرطياً لإسرائيل، وأن أية أنظمة أسلحة "جديدة" لم تُرسل إلى "حزب الله".

وبُعيد اللقاء ذكرت برقية أن الأميركيين تلقوا معلومات استخباراتية عن أن السوريين على وشك تزويد "حزب الله" بصواريخ "سكود دي".

وبيّنت برقية تعود إلى فبراير الماضي أن كلينتون أعطت توجيهاً للسفارة الأميركية في دمشق بتوجيه تحذير إلى نائب وزير الخارجية فيصل المقداد تقول فيه: "أعرف أنك مفكّر استراتيجي وهو السبب الذي يجعلني أسلط عليك الضوء، على أنه من منظورنا فإن دعمكم العملي لحزب الله هو خطأ استراتيجي في الحسابات يضر بمصالحنا الوطنية على المدى البعيد".

وبحسب البرقية، فإن المسؤول السوري نفى إرسال أية أسلحة إلى "حزب الله" وقال: "إن الحزب لن يقوم بأي عمل عسكري إذا لم يتم استفزازه وأعرب عن دهشته من الاحتجاج الأميركي، وقال إنه يعبّر عن أن الولايات المتحدة لم تتوصل بعد إلى موقف ناضج يسمح لها بالتمييز بين مصالحها الوطنية ومصالح إسرائيل".

جنبلاط - سيسون

كما نشرت وسائل إعلام عربية أمس، المزيد من الوثائق التي سرّبها موقع "ويكيليكس" حول الملف اللبناني، وذكرت أحدها أن "السفيرة الأميركيّة في بيروت ميشيل سيسون، يُرافقها بعض دبلوماسيي السفارة، التقت بالنائب وليد جنبلاط في منزله في كليمنصو في 30 أبريل 2008، وشارك في الاجتماع وزير العدل شارل رزق، رئيس مجلس القضاء الأعلى أنطوان خير ووزير المهجرين نعمة طعمة".

و"أعلن جنبلاط أن انتخاب رئيس للجمهوريّة أكثر أولويّة من تأليف الحكومة. وأنه غير متأكّد من أن قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان قد يقبل بأن يُنتخب بأغلبيّة النصف زائداً واحداً، وكان جنبلاط كتوماً عندما سُئل عن خطة 14 آذار البديلة. (ملاحظة: خطة سعد هي الذهاب إلى مجلس النواب في 13 مايو وانتخاب رئيس للجمهوريّة بأغلبيّة النصف زائداً واحداً إذا ما كان هذا الأمر ضرورياً. يبدو أن أعضاء 14 آذار ما زالوا معتمدين على قبول الجنرال سليمان، غير أنه لم يشهر حتى الآن استعداده. ولم يظهر جنبلاط راغباً في الانتخاب بأغلبيّة النصف زائداً واحداً)". و"قال جنبلاط إنه مرتاح لرؤية بيانات الحكومة الأميركيّة بشأن الجهود السوريّة لبناء مفاعل نووي. وقال جنبلاط، بين المزح والجدّ، إن على الولايات المتحدة الآن إرسال السفينة الأميركيّة نيميتز لتخويف سورية".

وتابعت الوثيقة أن "جنبلاط أشار إلى أن الحكومة اللبنانيّة لم تتلقّ حتى الآن وديعة المليار دولار التي وعدت السعوديّة بوضعها في المصرف المركزي. وأشار الوزير طعمة إلى أن التعطيل يعود إلى التقاليد السعوديّة، وأن أفضل طريقة للحصول على الأموال هي أن يُرسل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مستشاره محمد شطح ليقضي أربعة أو خمسة أيام في الرياض لتسيير الأمور».

واعتبر جنبلاط أن المحكمة الخاصّة «ليست كافية» لإخافة سورية، في حين أقرّ رزق بأن عمل المحكمة الدوليّة كان «مخيفاً لسورية حتى الفترة الأخيرة».

وكرّر رزق مخاوفه من أن "رئيس لجنة التحقيق الدولية دانيال بلمار أبلغ البعض أنه لا يملك قضيّة». وقال رزق إنه "يُمكن الولايات المتحدة أن تُساعد عبر توجيه السفير زلماي خليل زاده للطلب من الأمين العام لمجلس الأمن التأثير على بلمار والتشديد على أهمية دوره بصفته المدّعي العام للمحكمة".

مكافحة «القاعدة»

من جهة أخرى، أوردت وثائق دبلوماسية أخرى كشفها "ويكيليكس" ونشرتها صحيفة "لوموند" مساء أمس الأول، أن مزيداً من التعاون يتم بين فرنسا والولايات المتحدة منذ عام بمبادرة من باريس للتصدي لتنظيم "القاعدة" في بلاد المغرب الإسلامي.

وذكرت وثيقة أميركية اثر اجتماع بين مستشارين للرئاسة الفرنسية ومسؤولين أميركيين انه في نهاية 2009، خلص الفرنسيون إلى أنهم "يخسرون المعركة بين تنمية هذه الدول والتهديدات الأمنية المتعاظمة". وأضاف الفرنسيون أن "الإرهاب بات نظرياً على بابنا".

وبحسب وثائق أميركية أخرى، فإن البريطانيين استنفروا بدورهم لمواجهة الإرهاب في منطقة الساحل منذ قتل الرهينة ادوين داير في يونيو 2009 في مالي، لكنهم أقروا بأن "المسؤولية الفرنسية تشكّل أولوية على هذا الصعيد".

وجاء في برقية سرية أرسلتها من لندن المسؤولة عن قسم إفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية جانيت دوغلاس، أن "عمل الفرنسيين في مجال دفع الديمقراطية في غرب إفريقيا لم يكن ناجحاً". وفي برقية أخرى تعود إلى فبراير 2010، أعرب ستيفان غومبرتز، مدير قسم إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية، عن قلقه وقال إن "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ينمو حتى شمال بوركينا فاسو، وهو يجمع مقاتلين في السنغال وسيجد بعض الضعف في شمال نيجيريا".

«نووي» في بلجيكا

من جهة أخرى، أعلنت وسائل إعلام نقلاً عن "ويكيليكس" أن سفير الولايات المتحدة لدى بلجيكا هوارد غوتمان أكد وجود أسلحة نووية أميركية في قاعدة جوية تابعة لحلف شمال الأطلسي في كلاين بروغل شمال بلجيكا.

(لندن، واشنطن - أ ف ب،

يو بي آي، رويترز)

بكين تأمل

ألا يؤثر «ويكيليكس»

على العلاقة

مع واشنطن

أعلنت الصين أمس، أنها تأمل ألا تترك البرقيات الدبلوماسية الأميركية المسرَّبة التي نشرها موقع "ويكيليكس" أثراً على العلاقات مع واشنطن.

ومن بين البرقيات المسرَّبة برقية يزعم فيها مصدر صيني لم يُذكر اسمه، أن عضوين في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني أشرفا على تسلل إلى أنظمة الكمبيوتر الخاصة بشركة "غوغل". وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية جيانج يو في مؤتمر صحافي: "بأنه أمر سخيف ولا يستحق الذكر. نأمل ألا تؤثر على العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة". وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلاً عن هذه البرقيات أن الصين نفّذت عمليات قرصنة متكررة وناجحة في أغلب الأحيان على الحكومة الأميركية ومشروعات خاصة وحلفاء غربيين منذ عام 2002.

وامتنع نائب رئيس "غوغل" للشؤون الهندسية آلان يوستاس عن التعليق على هذه التقارير عندما سُئل عنها أمس، خلال منتدى لـ"غوغل" في بكين.

وقال: "لانعرف بشكل مباشر أي معلومات وردت في أي من تلك البرقيات. ليس لديّ ما أضيفه".

وكانت شركة "غوغل" أكبر محرك بحث على الإنترنت في العالم أغلقت خدمتها الصينية في مارس بعد شهرين من إعلانها أنها ستوقف نتائج البحث الخاضعة للرقابة رداً على ما وصفته بهجوم إلكتروني معقّد نسبته للصين، والقيود المتزايدة على حرية التعبير.

وحلّ الخلاف في يوليو الماضي بعدما أجرت "غوغل" تعديلات على طريقة توجِّه بها مستخدميها لمحرك بحث غير خاضع للرقابة.

(بكين - رويترز)

back to top