رُبَّ ضارة نافعة. وعكة صحية صغيرة ألزمتني الفراش ومكّنتني من مشاهدة بعض مسلسلات شهر رمضان المميزة التي لم أتمكن من مشاهدتها خلال الشهر الفضيل، ومنها مسلسل أهل كايرو الذي أبدع بلال فضل في كتابته، وفي اختياره مجموعة من الشخصيات الحقيقية التي هزت أخبارها المجتمع المصري، وتناقلتها المحطات الفضائية ونشرتها الصحف والمجلات، شخصيات من لحم ودم كلنا نعرفها ونعرف أشباهاً لها في مجتمعاتنا العربية والخليجية.

Ad

بلال فضل أتقن كتابة النص وأجاد تقطيع مشاهده في لقطات سريعة متلاحقة تتحرك في إطار حبكة قصة اجتماعية بوليسية تدور أحداثها في 3 أيام هي مدة عطلة العيد، وهذا التكيف مع قصر مدة الأحداث وانحصارها في زمن محدود، أبعد المسلسل عن «المطمطة» والملل المعتاد وجوده في المسلسلات العربية.

الأحداث هي مزيج من قصص أشخاص معروفين يدور حولها التحقيق البوليسي بسبب وجودهم في عرس سيدة المجتمع المرموقة صافي سليم، التي هي صورة من حكاية الممثلة المقتولة سوزان تميم وبقية حكايتها المعروفة.

وممّا زاد تكثيف الأحداث وسرعتها طريقة الإخراج التي اتبعها المخرج المتميز محمد علي، الذي اعتمد كثيراً على دلالة الصورة في التعبير من غير حوار أو كلام، واشتغاله على التعبير بالصورة كان له تأثير عميق هز إحساس المشاهد وعمّق من سطوة حضور الصورة.

محمد علي مخرج يعتمد على الصورة المعبرة السريعة الإيقاع والمفاجئة في خبطاتها المتلاحقة.

وبالنسبة إلى التمثيل، فقد تميز الممثل القدير خالد الصاوي كعادته، فهو لا يخيّب ظن مشاهديه، لجهة أنه ممثل ذو طبقات وفي كل دور جديد له يظهر لنا وجه آخر لا نعرفه، كما أنه لا يعتمد فقط على التغييرات الخارجية في الشكل والأكسسوار، بل يهتم بإخراج تغيرات الشخصية من داخلها، أي من التغير الذي يطرأ على روح الشخصية وانعكاسه على انفعالاتها وحركة تعبيرها، خالد الصاوي ممثل غير عادي في زمن استهلاكي عادي.

المفاجأة كانت في أداء الممثلة رانيا يوسف التي لم تأخذ حظها في الأدوار السابقة بشكل جيد، ولم تُمنَح الفرصة المناسبة لتكشف عن طاقاتها الكامنة التي فجرتها في هذا العمل، إذ كانت رائعة بحق وصادقة في أداء الشخصية بإحساس صادق وعفوية هائلة، خاصة أن الشخصية كانت ذات أبعاد مختلفة، أجادت في إخراجها كلها.

أما كندة علوش، فقد كانت لطيفة ومهضومة في شخصية الصحافية المسؤولة عن صفحة الحوادث.

وقد أضافت أغنية التتر بصوت حسين الجسمي وكلمات أيمن بهجت قمر الكثير من الإضاءة على معنى ومغزى أحداث المسلسل، خاصة حين يقول: هنا حرامي، قالوا عصامي، عامل فيها للشرف محامي، هنا فلاتي قال شعراتي وبالليل هات نفس يا سامي.

«أهل كايرو» مسلسل ممتع وفي جودة عالية ويستحق المشاهدة.

الملاحظ في مسلسلات هذا العام طرح مواضيع ذات جرأة وجرعة عالية في تناول قضايا تتعلق بالعلاقات الجنسية الجسدية، وهو ما لاحظت وجوده وانتشاره في أكثر من عمل، لعل أقواها في الطرح كان مسلسل «تخت شرقي» السوري وهو من الأعمال المميزة لعام 2010، وربما كان هذا التأثير بفعل المسلسلات التركية التي أثرت حتى في المسلسلات الخليجية مثل «خيوط ناعمة» و»زوارة خميس»، وهو أمر جيد إذا أُحسِن طرحه وعلاجه بشكل راقٍ لا يثير القرف والتقزز الذي ربما تهبط به بعض المحطات حتى تفوز بزيادة جرعة المشاهدة والكسب المادي.

أحب أن أنوه أيضا بجودة مسلسل الحارة المصري، والطريقة الجديدة التي تم فيها تناول العمل، سواء كان على طريقة كتابته أو إخراجه أو جودة أداء الممثلين الجماعية التي بدأت الانتشار في مسلسلات هذا العام.