موزة... أنت طالق!
لم أتابع حلقات المسلسل الرمضاني "زوارة الخميس"، ولكنني كنت محظوظاً لأنني شاهدت مصادفة أهم مشهد فيه حين يقول محمد المنصور مخاطباً سعاد عبدالله: "موزة", فترد: "عيون موزة", فيقول: "أنت طالق"! بالنسبة لمتابعي المسلسل كان هذا المشهد سبباً في فيضان من الدموع كاد أن يغرق دول مجلس التعاون, أما بالنسبة لي فقد ضحكت من الأعماق على هذه الهجمة المرتدة التي كانت آخر شيء تتوقعه هذه الزوجة البريئة!هذا المشهد التلفزيوني الذي يشير بشكل أو بآخر إلى سهولة قرار الطلاق بالنسبة لبعض الرجال، أعادني إلى قصة من التراث حول مجموعة من الرجال القرشيين كانوا على سفر ومعهم رجل غفاري، فداهمتهم عاصفة قوية في منتصف الطريق فنذر كل قرشي أن يعتق عبداً إذا أنجاه الله من هذه العاصفة، فلم يكن من الغفاري إلا أن قال وهو يرفع يديه إلى السماء: "اللهم لا عبد لي فأعتقه... ولكن إن نجوت من العاصفة فإن امرأتي طالق"!
واليوم تكشف لنا نسب الطلاق المرتفعة في دول مجلس التعاون عن أزمة حقيقية يتعاظم أمرها خلف جدران البيوت, وفي أغلب الأحوال يتم اتخاذ قرار الطلاق بسهولة مثلما فعل محمد المنصور في المسلسل أو دونما سبب منطقي مثلما فعل الرجل الغفاري, وما من شك أن تفاقم هذه الظاهرة هو أمر ستكون له آثاره المدمرة على المجتمع الخليجي. وبينما تتركز جهود الجمعيات النسوية الخليجية على الحقوق الشرعية والقانونية للمرأة المطلقة يَنصبُّ تركيز الرجال على ذم قوانين الأحوال الشخصية التي تشجع نساء اليوم على طلب الطلاق, دون أن يلتفت أحد إلى ضرورة مواجهة هذا السيل العارم من حالات الطلاق والبدء في حملات تثقيفية للحد من هذه الظاهرة المخيفة والبحث عن طرق مبتكرة من شأنها إنقاذ مؤسسة الزواج التي تواجه اليوم تحدياً غير مسبوق.وبعيداً عن الحالات التي يكون فيها الطلاق أمراً ضرورياً، فإنه من السهل العثور على أسباب متعددة لارتفاع نسب الطلاق مثل الزواج المبكر، أو الاستقلال المالي لكل طرف، أو كون الزواج في أغلب الحالات يحدث بناء على ترتيب عائلي يكون خلاله رأي الزوجين مسألة هامشية، أو ربما قد يكون السبب عائداً إلى التصادم الدائم بين تغيرات العصر الحديث وتقاليد المجتمع المحافظ, ولكن التحدي الحقيقي لا يكمن في العثور على الأسباب، بل في إعادة إحياء الكثير من المفاهيم القديمة التي اندثرت رغم أنها كانت تشكل مضاداً حيوياً جيداً لمقاومة ارتفاع نسب الطلاق. وأول هذه المفاهيم المغيّبة أن الرجل هو الذي يملك قرار الطلاق، وهو ربان سفينة الأسرة، فمهما تحدثنا عن عيوب نساء اليوم، فإن ذلك لا يلغي كون الرجل مسؤولاً عن ضبط الانفعالات والحفاظ على التوازنات وتجاوز التفاهات من أجل الحفاظ على أسرته الصغيرة, أما المرأة الشابة التي أصبحت تتلقى في بعض الأحيان ورقة الطلاق بفرح غامر فيجب توعيتها بأنها ضحية وهمٍ كبير حين تظن أن استقلالها المالي قد يغنيها عن زوجها.* كاتب سعوديكتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة