يا ليتنا من تطويرنا سالمينا

نشر في 26-09-2010
آخر تحديث 26-09-2010 | 00:01
 خلف الحربي كنت صغيرا حين سمعت لأول مرة المثل الشعبي الذي يقول: «يا ليتنا من حجنا سالمينا», وحين كبرت عرفت أنه شطر بيت للشاعر بصري الوضيحي الذي كان يعتبر فيما مضى من الزمان أكبر «مغازلجي» في الجزيرة العربية، وقصة المثل أنه حين بلغ بصري الوضيحي من العمر عتياً أخذه ابنه إلى الحج لعله يتوب إلى الله، ولكن بصري رأى فتاة جميلة في أثناء الحج فقبّلها وأفسد حجته، وبينما اعتذر ابنه للفتاة للجميلة بأن أباه عجوز تائه «أي مصاب بالخرف»، قال بصري قصيدة شهيرة يؤكد فيها أن ابنه هوالذي يعاني الخرف: «التايه اللي جاب بصري»، المهم أن بصري عاد إلى دياره فلم يصدق الناس أنه تاب وأصبح حاجا وقورا، فذهب الفضوليون منهم إليه كي يسألوه عن حجته فأجابهم بقصيدة جميلة مطلعها: «يا ليتنا من حجنا سالمينا... كان الذنوب اللي علينا خفيفات».

قفز هذا المثل إلى ذهني حين علمت أن الدكتور يوسف الأحمد يتصدر قائمة مؤلفي المناهج الدراسية المطورة في السعودية، حيث ورد اسمه فوق كل الأسماء في مقرر «الفقه والسلوك» للمرحلة الابتدائية، ويوسف الأحمد غني عن التعريف، فقد اشتهر بعد مطالبته بهدم المسجد الحرام كاملا وإعادة بنائه بطريقة تضمن عدم الاختلاط بين الجنسين، وبرغم أنه أستاذ جامعي متخصص في الشريعة الإسلامية فإنه أعد دراسة هندسية تقسم الحرم الشريف إلى عدة أدوار بحيث لا تتكرر حادثة بصري الوضيحي، يومها تناقلت وكالات الأنباء في مختلف أنحاء العالم هذه الفكرة الغريبة ما دفعني جديا في موقف أجدادنا في مختلف أنحاء الجزيرة العربية الذين كانوا يرددون قصة بصري الوضيحي باعتبارها حكاية تتعلق بمعصية شخص واحد، وليس لها أي علاقة بسلوك بقية الحجاج أو تصميم المسجد الحرام، فهل يعني ذلك أن دين أجدادنا «لك عليه» لعدم وجود المناهج المطورة في زمانهم؟ أم أنهم لا يجيدون إعداد الدراسات الهندسية مثل الدكتور الأحمد؟ أم أنهم كانوا ليبراليين دون أن ندري؟!

عموما الدكتور يوسف الأحمد سبق أن أفتى بتحريم مشاهدة مباريات كرة القدم الأوروبية، أي أنه لا يرفض الحوار مع الآخر فقط، بل يرفض حتى مشاهدته وهو يلعب كرة القدم, ولا أظن أننا نحتاج إلى خيال واسع كي ندرك أن ذلك يعني بالضرورة حرمة اللعب في المباريات التي يشارك فيها لاعبون غير مسلمين، ورغم ذلك فإن أول درس مكتوب سوف يتلقاه أطفالنا حول السلوك الإسلامي الصحيح سوف يكون على يد يوسف الأحمد.

ويوسف الأحمد هاجم برنامج ابتعاث عشرات الآلاف من الشباب السعوديين إلى الخارج، واعتبر هذا البرنامج جزءا لا يتجزأ من المشروع التغريبي لإفساد الأمة، ويوسف الأحمد هاجم متطوعات جدة اللواتي تفرغن لمساعدة المنكوبين خلال كارثة السيول، ويوسف الأحمد وجه اتهامات خطيرة دون دليل إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا، ويوسف الأحمد اعتبر من يقبلون تكريم بناتهم في المناسبات العامة بأنهم من سفلة القوم، ويوسف أفتى بحرمة عمل النساء المحتاجات للعمل كاشيرات في السوبر ماركت ودعا لمقاطعة الشركات التي تشغلهن، ويوسف الأحمد رفع قضية على وزارة التربية والتعليم لمجرد أنها سمحت لبعض المدارس الخاصة بأن تقوم معلمات بتدريس البنين خلال السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية خوفا من اختلاط معلمة في الثلاثين من عمرها بتلميذ لم يصل إلى العاشرة من عمره، ويوسف الأحمد قاد مجموعة من أتباعه الخلص في جولة شهيرة لإنكار المنكر في معرض الرياض للكتاب.

بصراحة... بكل صراحة... يوسف الأحمد ليس له ذنب في موضوع تطوير المناهج، فهوأستاذ في الشريعة كان جالسا في بيته فاتصلوا به وطلبوا منه المشاركة في تأليف مادة «الفقه والسلوك» للمرحلة الابتدائية ولا شك أنه تقاضى مكافأة مالية محترمة نظير هذا الجهد, وبصراحة... بكل صراحة الأمر الواقع اليوم يقول إن أول درس مكتوب يتلقاه التلميذ السعودي في الصف الأول الابتدائي من إعداد يوسف الأحمد... هذا هو تطوير المناهج الذي انتظرناه طويلا! «يا ليتنا من حجنا سالمينا»!

* كاتب سعودي

back to top