تشكّل الخيارات جزءاً من حياتنا. ومع ذلك، يكون الأمر في البداية سهلاً مع وجود والدين يهتمان بكل شيء، ويتخذان قرارات كثيرة متعلّقة بنا غالباً ما تكون أكثر بكثير مما نتمناه. إنما لا بد أن يأتي وقت النضج والخيارات الشخصية. في قصص الحب الطفولية، تكون الخيارات عموماً سهلة، لكن الأمور تتعقّد في ما بعد...
نحلم خلال المراهقة بالوقت الذي سنصبح فيه أخيرًا مستقلين وقادرين على القيام بكل ما نريده. في الحقيقة، هي مقاربة مبسّطة لواقع سن البلوغ، لأننا ما إن نبلغ هذه السن حتى تعيدنا تجربة دفع الإيجارات وغسل الثياب وأمور أخرى الى الواقع.في سن البلوغتتضمّن التربية الوالدية اختبارًا مستمرًا وتدريجيًا لقدرة الشاب على اتخاذ قرارات. ثمة مثلاً اختيار الطريق التي سيسلكها بعد الصف التاسع ثم بعد الصف الثاني عشر، وإن تطلّب الأمر أحيانًا وفي حال غياب توجّه واضح، بعض المساعدة من الأهل. مثال آخر هو القيام بإدارة ميزانية صغيرة، ثم تقرير الحصول على رخصة قيادة أو عدم السعي الى ذلك. هي خطوات تساعده في أن يعتاد شيئاً فشيئاً على اتخاذ قرارات.لكن علينا الاعتراف بأننا نحتاج الى بعض الخبرة ليس لنتمكّن من القيام بخيارات، بل لندرك أنه قد يكون لبعض خياراتنا تأثير خطير على المستقبل. يتعلّق الأمر بأشياء محددة في الحياة الشخصية أو في الحياة المهنية (قبول نقل، تغيير العمل؟) أو في الحياة العاطفية (انفصال، إنجاب طفل؟)، حيث تكون الأمور دقيقة بشكل واضح. غالبًا ما تكون سعادتنا على المحك، وليس نادراً أن نسمع بعض الأشخاص الأكبر سنًا يعرب عن ندمه حيال توجّهات ظن أنه أخذها عن دراية، وانتهت بخيبات أمل. «ليتني علمت...»، هي جملة يفضّل أن نكررها أقل عدد من المرات، إلا إن كانت تتّصل بأمور تافهة، كاختيار طبق اليوم أو لون الفستان!في الحياة العاطفيّةتفرض هذه الخيارات نفسها في مناسبات عدة وأعمار مختلفة. الخيار الأول هو اختيار الشخص الذي نقرّر أن ننسج معه علاقة جدية عبر التجاوب معه عاطفيًا تمهيدًا لتكوين عائلة. هو خيار تقوم به غالبية النساء بشكل سلس وطبيعي، إذ تتجاوب النساء الأكثر شبابًا مع علاقة حب بدأت بشكل مبكر، بينما تندفع النساء الأكبر سنًا في مغامرة متأخّرة بعض الشيء مقارنة بما كن يتمنّينه. لكن، أليس السؤال الحقيقي هو: هل نعلم إن كنا قد اتخذنا الخيار الصحيح؟ في الواقع، مع تلاحق أحداث قصة الحب، لا تشعر المرأة (والرجل) دائمًا بأنها هي صاحبة الخيار فيتجذّر الحب فيها وتجرفها الموجة. وما أن تقرّر مشاركة الآخر حياته حتى تبدأ الخيارات حول نقاط محددة جدًا بالتبلور، كمكان السكن ونوع المسكن وتفاصيل العرس وأماكن الإجازات (البحر أم الجبل)... هي أمور مادية قد تطغى أحيانًا على نقاط أخرى أكثر أهمية، لكن على كل شخص أن يعيش تجربته الخاصة. من الأفضل طبعًا التطرّق الى مواضيع أكثر التصاقًا بالقيم كالرغبة في إنجاب الأولاد، الإقامة في المدينة أم القرية، الرغبة في ممارسة الرياضة بشكل احترافي...مع مرور السنوات، يحدث أن يضطر الزوجان الى القيام بخيارات مصيرية تتعلق بمستقبل المؤسسة الزوجية، مثل: - القبول بترقية قد تتسبّب بإبعاد أحد الزوجين.- التوجّه نحو العمل الحر والقيام بتغيير حياتي شامل...من دون أن ننسى إمكان التقاء الزوجين بأشخاص آخرين، ما قد يفسد الوفاق بينهما. ليس اتخاذ عشيق أم عشيقة أمراً يحدث للآخرين فحسب وإذا تولّدت الأحاسيس، يصبح الخيار أحيانًا ضرورياً ومؤلماً، وقد يبدو أيضاً مستحيلاً.صعوبات في النهاية، يعود القيام بالخيار الصحيح ومعرفة أنه صحيح، الى المصادفة البحتة. فقد يحدث أن نهنئ أنفسنا بعد أشهر أو سنوات عدة على الاتجاه الذي سلكناه، أو العكس. الأمر الأكيد هو أن العمر يؤدي دورًا أساسيًا. حين نكون بدأنا حياتنا للتو ولا نملك الكثير من الخبرة، يبدو لنا كل شيء ممكنًا ولا يبدو القيام بخيار خاطئ أمرًا خطيرًا، خصوصًا أنه من الصعب معرفة العواقب الطويلة الأمد التي قد تترتّب على قيامنا بخيار معيّن.تدريجاً ومع تحليلنا الأحداث التي عشناها سابقًا، يصبح سهلاً علينا أن نفهم أن التفكير بشكل صحيح ضروري لزيادة حظوظنا بالنجاح، شرط أن نأخذ الوقت الكافي للتفكير بالمشكلة طبعًا!أخيرًا، يحدث في بعض لحظات حياتنا أن نشعر بأنه لم يعد لدينا خيار وأننا مجبرون على التقدّم بانتظار أن تتوضّح الأمور...غالبًا ما يولّد القيام بخيار مشاعر نرغب في تجنّبها:- القلق، أو على الأقل الأسئلة المقلقة، التردد، العودة الى الوراء... لكن يبدو عدم القيام بخيار أمرًا مستحيلاً، فمن لا يتقدّم يتراجع، كما يقول المثل الشعبي.- ضرورة تقبّل الخسارة، فالانفصال عن الشريك مثلاً يعني خسارة المؤسسة الزوجية التي كنا نتشارك فيها معًا.- يجبرنا على أخذ قرارات شخصية للغاية، وذلك تحت وطأة تأثيرات تربيتنا والمقربين. كذلك، يجبرنا على التفكير بالنقاط الإيجابيّة والسلبية، التفكير بكل العواقب، التفكير لوحدنا عبر التحرّر من الإملاءات العائلية، هذه كلّها تحديات صعبة. للاقتناع بأهمية القيام بخيار، يكفي أن نعرف أن التوصّل الى قرار مبني على إدراك حقيقي وعميق، يسمح لنا بالقيام بخيار سيساعدنا على الشعور بشكل أفضل.بعض القواعد لمساعدتنالا يتعلّق الأمر طبعًا بالقرارات الصغيرة اليومية، لكن قد يحدث أن نضطر الى القيام بخيارات هامة ومصيرية. أن نقرر مثلاً شراء عبوة لبن رائب بطعم الفاكهة بدلاً من أخرى عادية هو قرار بسيط جدًا ولن يتسبّب بتغيير حياتنا. لكن أن نقرر شراء مأكولات عضوية بدلاً من العادية هو قرار له معنى ويؤدي الى التغيير.في الحقيقة، علينا الاعتراف بأننا لا نتوقف عن أخذ القرارات: في الصباح وعلى وجبة الفطور، علينا أن نختار بين تناول الحبوب أو الشطائر، ثم بين ارتداء بنطال أو تنورة، بين استخدام النقل العام أم السيارة، أخذ فترة راحة، الحصول على قرض، اختيار الطبيب الذي سنستشيره، حتى نصل الى القرارات المصيرية والهامة... مبرمجون لنكون ذوي إرادة حرة؟من دون شك، لم نكن يوماً مبرمجين لنكون ذوي إرادة حرة كاملة. ففي القرون الماضية، كنا خاضعين للنسب وللطبقة الاجتماعية وللدين، وحتى للمهنة التي كانت تورث أباً عن جد، بينما كان دور المرأة ينحصر غالباً بالبيت والعائلة. اليوم، لا تزال الحال هي نفسها جزئياً، لكن وسائل الاتصال والمعلومات الجديدة تسمح لنا بالاطلاع على مسارات أشخاص استطاعوا من خلال خياراتهم وإرادتهم أن يغيروا حياتهم بكاملها. كذلك، أصبحنا مدركين لحقيقة امتلاكنا قدرات غير محدودة وإمكانات للحركة والسفر، أو باختصار امتلاكنا إمكان تغيير مصيرنا بحسب رغبتنا. أو على الأقل، هذا ما يبدو لنا: «حين نريد، نستطيع!». وها هو القلق يعود، وها نحن مجبرون على القيام بخيارات... هكذا، كان الماضي يمنحنا خيارات أقل. وها نحن اليوم مضطرون الى اتخاذ قرارات في ما يخص كل شيء، وهذه مسؤولية كبرى ملقاة على عاتقنا وتجعلنا نشعر بأننا مذنبون بشكل ما في حال الفشل.يؤكد الأطباء النفسيون المتخصّصون بالأطفال أن «الضغط» مثالي لدفع الطفل الى الاختيار. من الصعب لا بل من المستحيل على طفل صغير أن يختار، وإلا كان ليختار أكل المعجنات والشوكوماكس، ويظل مرتديًا ثياب النوم، ويمضي وقته في اللعب. إذاً، تعليم الولد القيام بخيارات رهن بإرادة الوالدين اللذين «يجبران» الطفل أو المراهق على اكتشاف أمور جديدة. فلو كانت الفلسفة أو الرياضيات مواد اختيارية في الثانوية لاختار كثر عدم دراستها.مواضيع تسبّب لنا الشللهي أيضًا أحد أسباب النجاح الكبير الذي يلاقيه المدربون والأطباء النفسيون وكل أنواع المستشارين. نحن بحاجة إليهم أكثر فأكثر لمساعدتنا في معالجة مواضيع تسبّب لنا الشلل. إذ إننا، ولشدة خوفنا من القيام بخيار خاطئ، صرنا نلجأ الى أشخاص غرباء لمساعدتنا ولمنحنا القدرة على رؤية الأمور بشكل أفضل. مثال ضمن أمثلة كثيرة هو ميزانية تقييم المهارات التي تتناول أشخاصًا يتركون مؤسسة ما، أحيانًا بمحض إرادتهم وأحيانًا لا. الهدف غير المعلن هو اكتشاف التوجّه الأفضل الذي ينبغي لكم أن تتبنّوه. ماذا لو كان التوجّه الأفضل هو ببساطة البقاء في المكان نفسه؟ لكن حين يصبح ذلك مستحيلاً، يكون الخيار مفروضًا منذ البداية.خيارات خاطئةمن الخطأ الاعتقاد بأن كل شيء ممكن دائمًا! المهم أن ندرك أن بعض خياراتنا سيؤثر على حياتنا بشكل دائم، وعلينا بالتالي أن نفكر بها مليًا من دون تسرّع أو اتكال على الآخرين لتقرير ما يعود لنا أن نقرره. ومن ناحية أخرى، ليس علينا أن نقرر نيابة عن الجميع، وهذا ما يحدث في بعض العائلات حيث يأخذ الأب أو الأم القرارات كافة. يتعقّد الأمر أكثر في العلاقات العاطفية، حيث تدخل المشاعر على الخط بشكل يشوّش تفكيرنا السليم. لكن في النهاية، أليست هذه المشاعر ضرورية لسعادتنا في حياتنا الخاصة؟
توابل
هكذا تتوصّلون إلى خيارات صحيحة...
16-04-2011