ألسنا أسعد الشعوب
![د. نجمة إدريس](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1511191571908366400/1511191591000/1280x960.jpg)
في دراسة حول أسباب السعادة أجراها باحثون بريطانيون، ونُشرت نتائجها في صحيفة «ديلي تلغراف» مؤخراً، حصر هؤلاء الباحثون -من خلال استبيانات تقييم وقياس– جِماع أسباب السعادة بالآتي : النوم ست ساعات ليلاً/ العمل سبع ساعات يومياً/ تناول خمس وجبات معدة في المنزل أسبوعيا على الأقل/ ممارسة الرياضة أربع مرات في الأسبوع/ الخروج مع الأصدقاء مرة في الأسبوع/ مشاهدة ثلاث حلقات من المسلسل المفضل/ تخصيص ساعتين في الأسبوع للعب مع الأطفال/ السفر مرتين في السنة في فترة الإجازات. ولو طبقنا هذه المعايير للسعادة على حالنا، لوجدنا أن ترمومتر السعادة عندنا لابد وأنه تجاوز حدوده القصوى وانفجر كصاروخ ألعاب نارية، ولكن دون أن يضيء أرواحنا المعتمة! ذلك أن (الزود نقص) كما يقول المثل الشعبي، وأن المزيد من جرعات أكسير السعادة انقلب إلى ضده، فانشغلنا بالفراغ والتذمر والشكاوى. فبسبب التقاعد المبكر، والبطالة المقنعة والسافرة، وقلة الإنتاجية، وتضخم العمالة المنزلية، ووسائل الرفاهية والترفيه، أصبحت معايير السعادة سالفة الذكر معايير (x small) لا تناسب الترهل المفرط الذي يجتاح حياتنا. فالنوم النهاري بات ينافس الليلي بمراحل، والوجبات الساخنة تحت الطلب ورسم الخدمة آناء الليل والنهار، والنوادي الرياضية تُفتح أربعاً وعشرين ساعة (اللهم صلِ على النبي)، أما الخروج مع الأصدقاء فإن مقاهي «الأفنيوز» و»مول 360» و»المارينا» باتت تشتكي من سنوات الطفحة، وتأتي المسلسلات لتبدد أثمن الأوقات وزهرة الأعمار دون ندم ، أما السفر فبات من عادات «الويك إند» الأسبوعية. فهل رأيتم شعوبا أكثر منا سعادة؟! نعود إلى مقولة برنارد شو حول الفراغ وما يفعله بالإنسان، لندرك أن الفراغ الذي نعانيه ليس فراغ الوقت فقط، بقدر ما هو فراغ الروح التي تصحّرت من فرط الرفاه والوفرة، وفراغ العقل الذي ارتهن للروتين والرتابة وضعف الهمة، وفراغ النفس التي انحصرت طموحاتها بالمأكل والملبس والداني من الرغبات والأهواء. ما أشدّ حاجتنا ونحن نخوض بحار الملل والتذمر واختلاق المشاكل وتضخيمها، إلى اختبار لون من التقشف والشظف، وترويض النفس على المشقة والحرمان، وتجريب البساطة ولو لبعض الوقت. ويمكن أن يتأتى لنا ذلك بمقاربة أحوال غيرنا من البسطاء، أو السفر إلى القرى النائية، والتوغل في المجتمعات التي ما زالت على فطرة الفقر والقناعة، وكذلك قراءة تجارب المحرومين و»المعترين» حول مغالبة شدائد الحياة واختباراتها. وقد يفيدنا كذلك الانشغال بالأعمال التطوعية، والحنو على البيئة، والاشتغال بالزراعة والبستنة، والخلو إلى التأمل والرياضات الروحانية، والنظر في وجوه أطفالنا وقلوب أبنائنا كل يوم. هذه المبادرات مجتمعة قد ترهف فينا الشعور بعصب الحياة الحقيقي، وتهيئ لنا التواصل مع روحها الخفية المتوقدة. ويبقى شكر الله وحمده على النعمة في كل الأوقات، أحد أعظم دواعي السكون إلى الطمأنينة والسعادة الحقة.