الدولة كما الديمقراطية ليست أفضل وسائل تنظيم حياة البشر، ولكنها أفضل المتاح في هذه الحقبة التاريخية من تطور العالم. وهكذا، فقد عانت الدولة الوطنية منذ بداية تأسيسها قبل حوالي 350 عاماً الأمرين في ترسيخها كنموذج. ظهور الدولة الوطنية كان ضرورة عملية قبل أن يكون نتاجاً فكرياً لحل إشكالية الكيانات السياسية الممتدة والمتحاربة على أساس ديني، فكانت معاهدات وستفاليا في منتصف القرن السابع عشر بألمانيا المبعثرة، ومن ثم تأسيس الدولة الوطنية كمحاولة لفك الاشتباك الديني بالسياسي. وبالتالي تأسست الدولة الوطنية على أربعة أسس، الأول هو الأرض أو الحدود، والثاني هو المواطن أو الشعب، والثالث هو الحكومة أو السلطة، والرابع هو السيادة أو احتكار القوة. ولم يكن تأصيل المفهوم «الرباعي» سهلاً، حيث لم تبدأ مفاهيم الدولة بالاستقرار إلا بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، بل إن تحدي بقاء الدولة كان واضحاً في الحربين الأولى والثانية، اللتين حاولت دول بعينها جر العالم بهما مرة أخرى إلى الوراء حيث الهيمنة الطاغية ترتكز على العرق أو الدين وتتجاوز مفهوم الدولة الوطنية.

Ad

ذهب جراء تلك التحديات أكثر من 70 مليون إنسان، وارتكب في سبيل القضاء على الدولة الوطنية أكبر الانتهاكات وأشدها، إلا أن الدولة مازالت تترنح وتتأرجح، حتى وإن كان النموذج قد حسم المعركة لمصلحته بين الوطني والديني، وإن كان ذلك على المستوى الشكلي.

وقد برز في السنوات الأخيرة مقياس يقيس درجة فشل الدولة، وقد تم تطويره في آخر نسخة له لسنة 2010، حيث شمل 177 دولة ومازالت محاولات تطوره مستمرة.

ورغم أن المقياس ذاته يبدو محاولة جادة لقياس كفاءة الدولة الوطنية، فإن الإشكالية تكمن في أنه لا يوجد مقياس دقيق لذلك الفشل إلا من خلال نتائج أداء الدول على المستوى الكلي للعالم، فهل نحن نعيش في عالم أكثر أمناً وأماناً؟ وهل التفاوت بين دول العالم منطقي؟ وهل أصبحت كرامة الإنسان أكثر أهمية من السيطرة والهيمنة والاستلاب والعدوان؟ وهل قلَّ عدد الجائعين والمشردين والمهمشين في العالم؟ الإجابة معروفة.

المقولة الساذجة بأن الدولة، أي دولة، تستطيع أن تعيش بمفردها، لا يمكن لها أن تصمد، ولا يمكن لأي دولة فئوية أو عنصرية أو دينية إلا أن تسهم في المزيد من التردي للبشر، إذ لا يمكن للعالم أن يكون أكثر استقراراً إلا من خلال التسامح وتبادل المنافع والمساواة والعدالة، وقبل هذا وذاك أن تكون كرامة الإنسان انطلاقاً لأي تنمية، دولية كانت أم وطنية.

ومع كل ذلك فإنه من المفيد بحث مقياس الدولة الفاشلة، وأين نقع نحن في ذلك المقياس وفي ميزان الغش؟ لعلنا نستطيع فهم محدودية الدولة... للحديث بقية.