أليس غريباً منطق النظام في سورية عندما يقول إن مجموعات مسلحة «غير معروفة» هي التي قامت بإطلاق النيران على المتظاهرين في درعا ودوما والقامشلي واللاذقية وعلى رجال الأمن في الوقت ذاته، وتسببت في قتل العشرات وفي إصابة أعداد غير معروفة من الجرحى؟

مجنون يتكلم وعاقل يسمع، فهل هناك دولة معروفة بالسيطرة الأمنية على كل شيء وتُفاخر بأنها الأكثر استقراراً في هذه المنطقة من الممكن أن تكون فيها عصابات مسلحة على هذا النحو لها القدرة على مهاجمة المتظاهرين والقوات الأمنية التي لا شك في أن أعدادها  تتجاوز أعداد هؤلاء المتظاهرين بمئات المرات، وتوقع في صفوفهم عشرات القتلى وأعداداً غير معروفة من الجرحى؟ أين الجيش؟ أين القوات الخاصة؟ أين المغاوير؟ أين الحزب المسلح؟ أين اتحاد شبيبة الثورة؟ أين أحد عشر فرعاً أمنياً من فرع فلسطين إلى فرع الأمن السياسي؟!

Ad

إذا كان فعلاً هناك عصابات مسلحة قادرة على أن تهاجم في هذا الاتجاه وذاك، وأن توقع كل هذه الأعداد من القتلى والجرحى فإن هذا يعني أن الأمور بدأت تفلت من يد الحزب القائد وأن النظام الذي طالما فاخر أهله باستقراره وثباته ومتانته: «يا جبل ما يهزَّك ريح» قد اقترب من لحظة الانهيار، وحقيقة إن هذا غير صحيح على الإطلاق وإن كل ما في الأمر أن الذين «فبركوا» هذه اللعبة الإعلامية على طريقة وزير إعلام أدولف هتلر، «غوبلز» حين قال: «اكذب... اكذب... ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون» قد أساؤوا للنظام الذي هُمْ في أعلى قيادته وأنهم بالتالي يستحقون معاقبة سريعة.

إن أبسط فهم لهذه «الفبركة» الرديئة, التي لا يمكن أن تنطلي على أحد لا في سورية ولا في خارجها في زمن تفوق الإعلام الالكتروني, هو إما الشعور بأن هذا البلد قد اقترب من لحظة الانهيار وأن ثورته الجديدة قد اقتربت من الانتصار وأن نظام الحزب القائد بات يقترب من أن يصبح في ذمة الله أو الاعتقاد حتى حدود اليقين بأن دمشق لا تقول الحقيقة وأن أرقام القتلى من المتظاهرين ربما هي أضعاف أضعاف ما يتم الإعلام به وأن البلاد تعيش أوضاعاً مأساوية حقيقية، أليس هذا يشبه حكاية الراعي والذئب وقصة «راجح» في مسرحية «بياع الخواتم»؟ ثم إن المعروف أن حبل الكذب قد أصبح قصيراً وأنه في هذا العالم لم تعد هناك أسرارٌ ولا يمكن إخفاء حقيقة أحداث بكل هذا الحجم، فعالم «غوبلز» ذهب ولن يعود.

كان ولايزال أن الأفضل هو قول الحقيقة, أو ثلاثة أرباعها أو نصفها أو أقل, أولاً للشعب السوري الذي يعرف كل شيء وثانياً لهذا العالم الإلكتروني الذي لم تعد تخفى عليه خافية، ولهذا فإن على الرئيس بشار الأسد إن هو يريد معالجة هذه الأوضاع المتفاقمة المعالجة الصحيحة أن يتخلص من كل هؤلاء المستشارين والمساعدين الذين أوصلوا سورية إلى ما وصلت إليه، والذين أوجدوا شرخاً كبيراً بين الشعب السوري بغالبيته وقيادته، والمعروف أن البطانة السيئة هي التي كانت السبب في النهاية المأساوية التي انتهى إليها زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وأيضاً صدام حسين وغيره من أمثاله السابقين واللاحقين.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة