تلوث بيئة
لا بأس من وجود برامج هابطة في وسائل الإعلام، فهذه طبيعة الإعلام الحر، يتنوع محتواه كما تتنوع آراء الناس حول قيمة المعروض فيه، نتحمل تسفيه عقولنا بطلته علينا في التلفزيون وهو يحكي كيف أنقذ العذارى وزوّج «البائرات» وما بقي سوى أن يقول لنا إنه مشى على الماء.
يتحمل المتصلون نتيجة اتصالهم «بالمعالج من السحر والعين»، كما يصف نفسه على موقعه الإلكتروني، «مطفش الجن»، «مرعب الشياطين»، «عابر البحار»، «قاهر الأشرار»، وما قد يترتب على تتبع نصيحته من آثار بدنية ونفسية، فهذا اختيار أناس بالغين عاقلين، و»كل عقله في راسه يعرف خلاصه».نتسلى بالتسجيلات الصوتية على موقعه الإلكتروني وهو يضرب نساءً متلبسات بجن مسلم من العراق أو جن إفريقي أو أصفهاني وأحياناً جن معرف بـ»خنفروش» أو عبيد، نتسلى... فهذه التسلية التي تتيسر لنا اليوم. نتقبل أن يكتب في صفحته الإلكترونية مقدماً نفسه: «بفضل الله متخصص بفك السحر والعين والحسد والاكتئاب والملبوسين بالجن ومعالج للجهاز الهضمي، القرحة والقولون والتلبكات المعوية، والأورام الحميدة، والأمراض التي لم تشف عند الأطباء، والسكري الخفيف والالتهاب العصبي، والحكة الجلدية في الأماكن الحساسة وآلام المفاصل مثل الركب والصدفية والقولون التقرحي وآلام المفاصل»... فالكلام ببلاش، والإنترنت فضاء رحب يعتمد على وعي المستخدم حيث لا رقيب إلا عقله ولا متحكم سوى مبادئه.ولكن ما لا يمكن تقبله مطلقاً هو أن تستضيف ثانوية سلوى للبنات الأخ «المعالج» جمال الشومر في يوم 17/3/2010 ليلقي محاضرة على الفتيات بعنوان «اختياري يحدد مساري» وكل مؤهلاته هي صفحة إلكترونية مليئة بتسجيلات تعذيب مقززة لاستخراج الجن، وإصدارات على طراز رواية «عذراء وأربعة رجال» و»بكاء الجن في أجساد البشر» وشهادة دبلوم في الشؤون الصحية، قسم تلوث بيئة، كما ورد في مقابلته مع صحيفة «السياسة» في 31 يناير 2009. ترى، كيف ولماذا يذهب السيد الشومر إلى ثانوية بنات ليلقي عليهن محاضرة حول كيفية تحديد مسارهن في الحياة بشهادة ليس لها أي علاقة بأي من العلوم النفسية أو الاجتماعية وبحمل ثقيل من قصص الجن وأساليب العنف الجسدي لاستخراجه؟ هل يعلم أولياء الأمور بهذه الزيارة التي يفتخر السيد شومر بها عارضاً صوره مع تلميذات المدرسة في صفحته الإلكترونية؟ هل وصلهم فحواها، ومن حيث المبدأ، هل يقبلون بها؟ السيد الشومر معالج القرحة والقولون والتلبكات والحكة بالقرآن والسنة النبوية أحياناً، وبالضرب المبرح كما يتبين من تسجيلاته أحايين أخرى وبالجمع بين الاثنين غالباً، ما قدراته في توجيه فتيات على حافة الدخول في عالم الكبار حول تحديد مسارهن في الحياة؟ أن تستضيفه «قناة العدالة» كي يقدم برنامجا يفك فيه السحر «على الهواء مباشرة» فهذا قضاء وقدر، وقدر الله وما شاء فعل، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولكن أن تستضيفه ثانوية ليرشد فتياتنا حول كيفية تشكيل وتسيير حياتهن، فتلك مصيبة، مع سبق الإصرار والترصد، تلك بلوى تستجلب النحيب، تلك «زلقة» تكسر عنق أهم وأول مبادئ التعليم والتوجيه الأكاديمي كسراً لا تجبير بعده... كسراً يستحق ويستوجب الاحتجاج والسؤال بل الاستجواب.أن يعلن السيد الشومر في مقابلة «صحيفة السياسة» أن قراءة الجرائد أو التدخين في الحمام يلبس الإنسان جناً، فتلك حرية رأي ووجهة نظر بل خفة دم، صحيح أنها تعني أن ثلاثة أرباع البشر على ظهر الكرة الأرضية متلبسين طبقاً لهذا «القانون العلمي»، ولكن يبقى رأياً وجد مكاناً له من القبول والنشر والعتب علينا في القبول الذي شجع النشر، لكن أن يحمل السيد الشومر في جعبته هذه المعلومات والنظريات مسنودة بدبلوم شؤون صحية، قسم تلوث بيئة متقدماً بها نحو صغيراتنا اليانعات، لإلقاء محاضرة رسمية في مدرسة حكومية لتحديد مسارهن في الحياة... هنا مصيبة تستحق أن نولول عليها جماعياً... والله ولي التوفيق.«آخر شي»:رحلت أيها الأستاذ الكبير بعد أن صغرت دنيا اليوم عليك، فهل نبكيك أم ننعى انكماش دنيانا؟ بهتت الجرائد برحيلك، ألا أسكنك الله جنات تجري فيها الحروف التي تعشق، وظللك بفرحة روحك وجمال ابتسامتك التي لم تفارقك يوماً أبداً. وداعاً عمي محمد مساعد الصالح.