المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي قال إن الثورة الشعبية في مصر هي "بوادر يقظة إسلامية" مُستلهَمة من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، التي يصادف هذا الأسبوع ذكراها الثانية والثلاثين، ودعا الشعب المصري إلى مواصلة انتفاضته "حتى إقامة نظام إسلامي"... كما أعلنت السلطات الإيرانية دعمها للمطالب "المشروعة" للمتظاهرين في مصر! ذلك الخطاب الذي ينفصم وينفصل في الفكر والقول عن السلوك والفعل، يتناسى أن الثورة الخضراء في إيران التي قُمِعت بوحشية كانت ترفع شعار "يسقط الدكتاتور"، وأن شبابها الذين كانوا يائسين أمام صلاحيات ولي الفقيه المطلقة ومجلس حماية الدستور غير المُنتخَب، ثاروا على بؤسهم وفقرهم وانعدام حريتهم، لكن مطالبهم في رأي النظام لم تكُن "مشروعة" كما مطالب الشعب المصري!
على الشباب المصريين الواعين الذين أحدثوا هذه الثورة "لا الإخوان الذين تفاوضوا مع النظام لتحقيق مكاسب شخصية"، ألّا يغفلوا عمّن يريد الركوب على ظهورهم، وأن يستفيدوا من تجربة الثورة الإيرانية التي "ستُلهِمهم" في تجنب الوقوع في الكوارث المدمرة التي حلّت على الشعب الإيراني من حكم الكهنوت، والذي لا يختلف في رأيي، عن الحكم الطالباني... فلم يحقق ذلك النظام العدالة الاجتماعية أو الديمقراطية أو الحرية المنشودة التي كانت الثورة تعد بها منذ أكثر من ثلاثين عاماً... وقد اشتعلت الثورة الايرانية عام 1979 لنفس المظالم، واتّحدت فئات المجتمع كافة للثورة عليها، لكن النظام الديني بدأ بعد ذلك تصفية المعارضة التي ساهمت في الثورة على الشاه، فطردت كما يقول العفيف الأخضر "نحو 40 ألف مدرس وجامعي من المشكوك في ولائهم للمشروع الإسلامي"، وحظرت السفور: يعاقب القانون من "تسيء ارتداء الحجاب بـ15 يوماً سجناً أو75 جلدة"... كما فرضت فصل الجنسين في المدارس، وأسّست مكتب "نشر الفضيلة ومنع الرذيلة" الذي لم يمنع انتشار المخدرات واستفحال الفساد، ليحل الاستبداد الديني محل الاستبداد السياسي. في تحقيق لـ"لوموند" عن "إيران: 30 عاماً من الثورة... ومن الخيبة!" (ترجمة بيار عقل)، يقول إبراهيم يزدي زعيم حركة الحرية في إيران: "في البداية، كنّا نعرف ما لا نريده، وكان نظام الشاه، لكننا بصراحة لم نكُن نعرف ماذا كنّا نريد بديلاً عنه. وكان الإمام (الخميني) يتحدث عن الجمهورية الإسلامية الديمقراطية، وسرعان ما اختفت كلمة الديمقراطية... على السطح نجد الميليشيات وكل أنواع محاكم التفتيش الإسلامية التي تأخذ وضعية التأهب إذا أفلتت شعرة من تحت غطاء الرأس، أما في الأعماق فإن المجتمع المدني يغلي.. الوضع ليس سهلاً، لكنه ليس ميؤوساً، إن نصف شعب إيران دون سنّ الثلاثين"... وفي نفس التحقيق يقول آية الله العظمى حسين منتظري رحمه الله، والذي كان خليفة الخميني قبل عزله، وأُحرِق مسجده، وحُرِّمت كتبه في عام 1989 لأنه ندّد بالمجازر التي ارتكبها النظام ضد خصومه عند انتهاء الحرب مع العراق، يقول: "ليست هناك أيُّ حرية في إيران، تكفي كلمة واحدة لكي يُلقَى المرء في السجن". ولقد ذاقت مصر من نفس العلقم، حين تحالفت حكومة السادات مع "الإخوان المسلمين" المكيافيليين في إحكام إغلاق المجتمع ومحاربة حرياته، فصالوا وجالوا في الساحة وحدهم، وتمكنوا فيما بعد مع استفحال فساد الحكومات من نهب أموال الطبقة الوسطى من خلال المصارف الإسلامية لتوظيف الأموال... الخلاف اليوم هو مع فكر الإخوان المناقض لقيم الديمقراطية، فمرشدهم السابق أكد أنهم سيتعاملون مع الأقباط "في حال فوزهم بأي انتخابات مقبلة"، بموجب فقه أهل الذمة... وسيحرّم عليهم -أي الأقباط- تولي المناصب القيادية... كما أنهم ضد خدمة المسيحيين في الجيش أو اعتبار قتلاهم شهداء! وهو ما حذّر منه صادق جلال العظم الذي دعا إلى "الحياد الإيجابي للدولة إزاء الأديان والمذاهب والإثنيات"... فبديله هو "حرب أهلية"، وبديل المواطنة هو "الخراب". لقد عانى شرقنا من استبدادين، استبداد سياسي واستبداد ديني... واليوم نحن أمام مفترق طرق، فإما أن يتحول الشرق الأوسط إلى ديمقراطيات حقيقية بفعل عدوى الثورات الشبابية، أو يظل محكماً بسلاسل وأغلال الدكتاتوريات السياسية والدينية التي لم تجلب إلّا البؤس والاحتقان الطائفي والدمار لشعوبها، كما هو حاصل اليوم مع انتشار العدوى الأصولية.
مقالات
الثورة الإيرانية مُلهِمة الثورة المصرية
11-02-2011