كيف يمكن لنا أن نصدق ادعاء الحكومة بأنها فعلاً ملتزمة بتطبيق الدستور، وهي التي تفرض على الناس اقتناء نوعية معينة من الكتب أي أنها تحدد لهم ما يجب أن يقرؤوه؟ بل كيف لنا أن نصدق أننا بلد ديمقراطي في الوقت الذي نجد فيه إجراءات وقرارات حكومية تقيّد حرية الإنسان في ممارسة بعض حقوقه الأساسية مثل حرية قراءة ما يشاء وقتما يشاء، وحرية الوصول للبيانات والمعلومات والحصول عليها وتبادلها؟

Ad

هل يمكن أن نصدق أن الحكومة جادة فعلا في محاربة الأفكار المذهبية المتطرفة والأفكار الفئوية العنصرية ومهتمة حقيقة بنشر أفكار التسامح والانفتاح والتعددية واحترام الرأي الآخر، وهي تمنع كتب أدباء ومثقفين عرب مشهورين بكتاباتهم غير المتطرفة من العرض والبيع في معرض الكتاب العربي المزمع إقامته الشهر القادم، بينما نجدها تسمح في الوقت ذاته بالتوسع في عرض وبيع الكتب التي تدعو إلى الخرافة والشعوذة والسحر والأفكار البالية والسطحية وثقافة نبش القبور والرأي الأوحد المنغلق والعيش في الماضي السحيق؟ أليس من قبيل المفارقة المضحكة أن تمنع الحكومة بعض الكتب والروايات العربية من التدوال في معرض الكتاب في الوقت الذي نجد فيه هذه الكتب والروايات نفسها تباع في المكتبات التجارية؟!

نعرف جميعاً أنه باستطاعة أي إنسان أن يحصل مجاناً على أي كتاب أو رواية عن طريق الإنترنت لكن، مع ذلك وبالرغم منه، فإنه يظل للكتاب الورقي قيمته التي لا يمكن أن يضاهيها الكتاب المقروء على الإنترنت أو المطبوع من خلاله، ناهيكم عن أن معرض الكتاب يعتبر مكاناً مناسباً لتسهيل اقتناء الناس للكتب وتشجيعهم على قراءتها، لذا يحرص أغلب الأدباء والكتّاب على توزيع مؤلفاتهم والالتقاء بقرائهم خلال معارض الكتب.

لهذا فإننا نفهم ونقدر حالة الاستياء والغضب التي عبّر عنها كبار الأدباء والكتّاب والمثقفين العرب، سواء الذين منعت كتبهم أو الذين ينتظرون قرارات المنع في أي لحظة، ونشاركهم الموقف ذاته بل نعتذر منهم، إذ إننا نعيش منذ عقود تراجعاً مؤسفاً للدور الثقافي والتنويري للكويت بعد أن كانت في سالف الأزمان منارة ثقافية لعموم الأدباء والكتّاب والمثقفين العرب.

لقد لخص وضعنا الحالي الروائي السعودي عبده خال (الحائز على جائزة البوكر العربية للرواية  لعام 2010) في خطاب اعتذاره عن المشاركة في الدورة القادمة لمعرض الكتاب العربي في الكويت، إذ  ذكر (نقلا عن صحيفة "القبس" 21 سبتمبر 2010) أنه:

"لا يمكن أن تتحول إدارة المعرض إلى محاكم تفتيش في حين ينتظر منها الانفتاح على الآخر بجميع أطيافه، فكيف بها وهي تمنع بيع وتوزيع كتب لأسماء عربية... إنها تريد اختصار دولة التنوير الخليجية الأولى التي مارست دوراً تنويرياً منذ الخمسينيات والستينيات إلى دور تفتيشي قاصر، وهي الدولة التي فتحت قنواتها الثقافية والإعلامية وأسست اللبنة الأولى في دول الخليج لمفاهيم الحرية والعدالة أن يكون مآلها الاقتعاد في زاوية ضيقة لمنع عرض الكتب في زمن انفتحت فيه كل الحدود على الأفكار والمعتقدات"!

ولا تعليق بعدما قال خال كل ما يجب أن يقال من الكلام المباح!