سورية... مخاطر الحَقْن المذهبي!!

نشر في 09-05-2011
آخر تحديث 09-05-2011 | 00:00
 صالح القلاب أفضل مساندة يقدمها الذين «يُفتون» من الخارج للمعارضة السورية هي أن يصمتوا ويوقفوا الشحن الطائفي البغيض ويتركوا للشعب السوري أن يحدد خياراته بدون أيّ تدخل خارجي، فأهل مكة أدرى بشعابها، وهذا الشعب العريق والمعروف بانتمائه الوطني والقومي الصادق ليس بحاجة إلى أي وصاية خارجية، وهو قادر على تحديد اتجاهات تحركاته وبالتالي اختيار الأساليب والوسائل الصحيحة لتحقيق الأهداف التي يريدها.

منذ البداية حتى الآن, أي منذ الخامس عشر من مارس الماضي، لم يُسمع أي هتاف طائفي في أي منطقة من المناطق السورية التي غشاها «تسونامي» الاحتجاجات المتواصلة، ولم تشاهَد أي لافتة تدل على أي عامل مذهبي بالنسبة لما يجري، بل والملاحظ أن دعوة الوحدة الوطنية بقيت عنوان كل هذا الذي جرى والذي يجري، مما يعني أن الذين «يُفْتون» طائفياً من الخارج إنما يسعون لحرف الأحداث عن مسارها الحقيقي، بل وهُم يسيئون إلى وطنية الشعب السوري والتزامه القومي.

إن هذا الذي شهدته سورية والذي لا تزال تشهده منذ الخامس عشر من مارس الماضي ليس صراعاً طائفياً بين الأكثرية والأقلية المعروفة، وهنا فإن ما يجب أن يفهمه الذين يحاولون «مذْهَبة» هذه التطورات المتلاحقة هو أن هذه الأقلية ليست مستقطبة مذهبياً, لا سابقاً ولا لاحقاً, وأنها مثلها مثل جميع مكونات الشعب السوري كله فيها «المُوالي» وفيها «المُعارض» وفيها اليساري واليميني وبالطبع فيها العلماني وفيها المتمذهب الذي يحاول من خلال تمذهبه الحصول على مكتسبات لا يستحقها.

ولهذا، فإنه على المصابين بعمى الألوان، الذين دأبوا -بدل أن يصمتوا ويتركوا للشعب السوري أن يحدد خياراته بنفسه لأنه يعرف أكثر من كل الذين يمدون رؤوسهم وأيديهم من الخارج ما هو في مصلحته ومصلحة وطنه وأمته- على إصدار «فتاوى» الفتنة الطائفية البغيضة التي إن هي أخذت طريقها إلى قلوب وعقول السوريين فإن النتيجة ستكون تقسيم هذا البلد العزيز على قلب كل عربي والذي هو إن تقسم, لا سمح الله, فإن إسرائيل ستحقق هدفها القديم الجديد بتحويل الوطن العربي إلى «كومونولث» طائفي تكون هي الرقم الرئيسي في معادلته السياسية والديموغرافية.

إنه على أصحاب فتاوى «الإفك» هذه أن يدركوا وأن يعلموا أن دافع هذا الذي جرى في سورية وفي مصر وفي تونس واليمن وليبيا هو الانتقال بهذه الدول من واقع خمسينيات القرن الماضي، وقبل ذلك، إلى واقع القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، فالسابق لم يعد مقبولاً، والأجيال الصاعدة التي من خلال كل هذا الانفجار التقني في ثورة المعلومات باتت تعرف كل شيء، وغدا متعذر تثبيته عند حالة تجاوزتها أحداث التاريخ ولم تعد ملائمة لمتطلبات هذه المرحلة المستجدة.

وهكذا فإنه لا يهم شباب سورية الذين بدأوا بدق نواقيس الحقيقة في الخامس من مارس الماضي ليوقظوا شعبهم من غفوة طويلة، ما إذا كان هذا المسؤول أو ذاك من طائفة معينة أو من أتباع مذهب الأكثرية أو الأقلية بل هل ما زال هذا المسؤول يتمسك بالماضي الذي تجاوزه قطار التاريخ ويصر على بقاء أنماط الحكم التي من المفترض أنها انهارت مع انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الستالينية أم أنه بات متلائماً مع هذه المرحلة التاريخية المستجدة التي عنوانها الدولة المدنية والحريات العامة والتعددية السياسية ومحاربة الفساد والتداول على السلطة وحكم الشعب ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب على أساس المساواة بين المواطنين وعدم تقسيمهم إلى أبناء غالية وأبناء جارية.

back to top