نجم من طراز فريد... علي المفيدي مبدع الأدوار المركبة
علي المفيدي أحد أبرز الرواد الذين أثروا الحركة المسرحية والفنية الكويتية بعطائهم الصادق. على مدى أكثر من 40 عاماً برع في تجسيد شخصيات مركبة يجيدها المبدعون وأصحاب المواهب الخاصة، فعلقت في أذهان المشاهدين. إنه فنان من طراز فريد، حقق شهرة واسعة منذ أول عمل فني قدّمه وحافظ عليها حتى وفاته.اسمه الثلاثي علي سليمان المفيدي من مواليد الكويت في 10 سبتمبر (أيلول) 1939، متزوج وله سبعة أبناء هم: حسين، سليمان، خالد، خلود، أبرار، نرجس، سهير.
في الخامسة من عمره أرسله والده إلى «المطوّع» لحفظ القرآن الكريم، فمكث عنده قرابة عامين حفظ خلالهما سور القرآن الكريم. بعد ذلك دخل المدرسة التقليدية إلا أنه لم يكمل دراسته، وقد استفاد من حفظ القرآن الكريم في عمله كمذيع وممثل وكاتب.بدايات في الإذاعةفي بداية حياته عمل المفيدي موظفاً في بريد الكويت (1957)، وسرعان ما أصبح رئيس قسم الفرز وتوزيع الرسائل نتيجة التزامه بالعمل. في العام نفسه شارك في حفلة ترفيهية أقيمت لمناسبة نقل البريد من الإدارة البريطانية إلى الإدارة الكويتية، وأدى دور «أحدب نوتردام» فنجح فيه وكان التمثيل ارتجالياً.عام 1959 أعلنت إذاعة الكويت حاجتها الى توظيف أصحاب المواهب والطاقات الفنية، فتقدم المفيدي إلى مباراة الدخول ونجح وتمرّس في مجالات إذاعية عدة، ومن ثم تابع دورة تدريبية أصبح على أثرها مذيعاً في الإذاعة، فكان يعمل في البريد نهاراً ومذيعاً ليلاً، وكان راتبه آنذاك كمذيع 25 ديناراً.قدّم في بداياته برامج: «المرأة والطفل»، «ركن الشرطة»، «ركن التثقيف الصحي»، «ركن فلسطين»، «ركن الجزائر»، وبرامج شعبية غنائية، وبرامج خاصة.شكّل الإعلامي القدير أحمد سالم نقطة تحوّل في مسيرة المفيدي الإذاعية، إذ كان أول من قدّمه كممثل إذاعي بواسطة حلمي الأدهمي، وذلك في مسلسل «الفتوحات الإسلامية» (265 حلقة)، ثم توالت الأعمال الدرامية من بينها مسلسلا: «الأمير والثعبان» من تأليف نجدات المحتسب وتنفيذه، «من شيم البادية»، كذلك كتب المفيدي مسلسل «الثعلب طعمار والأميرة قبلة الأنظار» وأخرجه محمد كنعان.من المسلسلات الإذاعية التي شارك فيها أيضاً: «الكويت في عصر النور» إخراج أحمد سالم، «صفحات مطوية ولكنها غير منسية» إخراج علي الزفتاوي، «المقامات العصرية» إخراج محمد كنعان، بطولة سعاد عبد الله وغانم الصالح والأردني محمود سعيد، «حبابة» مع مريم الغضبان ومريم الصالح ومريم الرقم وسلوى حسين ومحمد المنصور ومحمد حسن وعبد الإمام عبد الله.كذلك، شارك المفيدي في التمثيل في برنامجي «نافذة على التاريخ» إخراج عبد العزيز الفهد، و{نجوم القمة» إخراج محمد كنعان.ممثّل ومخرجشكّل الفنان علي المفيدي حالة متكاملة سواء في التمثيل أو الإخراج وله في هذا المجال مسلسلات إذاعية من بينها: «علي بن أبي طالب»، «بيت من رمال»، «أعلام الخليج»، «الموذي»، «ينابيع الخير»، «الكويت كلمة السلام»، «شهداء الكويت»، «حبيبنا الغائب»، «كل عاصي من الزمان يلين»، «رفع الستار»، «الفاروق عمر»، «أبو بكر الصديق». كذلك أبدع أمام كاميرا التلفزيون، وكان مكافحاً وعصامياً بنى نفسه بنفسه إلى أن أصبح أحد أبرز رموز الفن الكويتي.على خشبة المسرحعام 1964 درس المفيدي في «مركز الدراسات المسرحية»، وشارك في مسرحية «مجنون ليلى» (1966) إخراج الفنان زكي طليمات، ثم أكمل لاحقاً دراسته وحاز شهادة البكالوريوس في المعهد العالي للفنون المسرحية (1979). انتسب المفيدي إلى فرقة مسرح الخليج العربي في 6 ديسمبر (كانون الأول) 1968، وكانت «ثم غاب القمر» أول مسرحية له مع الفرقة، تقاضى على أثرها 30 ديناراً، ثم توالت المسرحيات من بينها: «بخور أم جاسم» (1969) تأليف محمد السريع وإخراج صقر الرشود، «الأصدقاء» تأليف هوبرت فارجيون وإعداد عبد العزيز السريع وإخراج علي المفيدي وهي محاولته الوحيدة في هذا المجال، «الجحلة» تأليف لويجي بيرانديللو وإعداد صقر الرشود وإخراج صالح حمدان، «الدرجة الرابعة» تأليف عبد العزيز السريع وإخراج صقر الرشود، «1، 2، 3، 4 بم» (1972) تأليف عبد العزيز السريع وإخراج صقر الرشود، «يا غافلين» (1974) تأليف محمد السريع وإخراج منصور المنصور.كذلك، كانت للمفيدي تجربتان في المسرح الكوميدي ساهمتا في إبراز موهبته كممثل هما: «هالودوللي» إخراج حسن عبد السلام مع عبد الحسين عبد الرضا وغانم الصالح وشويكار ومريم الغضبان وكاظم القلاف، «فوضى» تأليف عبد الأمير التركي وإخراجه، بطولة عبد العزيز المسعود وابراهيم الصلال.عام 1989 شارك المفيدي في مسرحيات: «موال الأرض» (عُرضت في الجزائر) تأليف الشاعر شهاب محمد، ألحان غازي الشرقاوي وغناؤه، إخراج أحمد عبد الحليم، بطولة عايدة عبد العزيز ومحمود سعيد ومحمد كنعان ومحمد حسن، «بالمشمش والقرقور» إعداد علي المفيدي وبطولته، إخراج مبارك سويد، «دعوة عامة»، «حب في الفلوجة»، «ينانوة الفريج». كذلك، شارك مع سعد الفرج وخالد النفيسي في مسرحيتي: «حامي الديار» و{جنون البشر»، ومع عبد الحسين عبد الرضا في مسرحية «باي باي لندن»، إخراج المنصف السويسي.بعد التحريربعد التحرير، تعاون المفيدي كممثل مع الممثل والمخرج عبد العزيز المسلم في مسرحيات: «مصاص الدماء»، «البيت المسكون»، «دراكولا»... يقول عنه المسلم: «في التمثيل التلفزيوني كان مسلسل «أسباب النزول» (1962) أول عمل درامي شارك فيه علي المفيدي وجسد شخصية الكاهن، من ثم شارك في «سلطان الزمان حبّ الرمان»، مسلسل من ست حلقات من إخراج حمدي فريد، بعد ذلك شارك في مسلسلات: «إبن الحطاب» و{ابن العطار» وهما من تأليف علي المفيدي وإخراج حمدي فريد، «الشاطر حسن» و{المغامرون الثلاثة» من إخراج عبد الأمير مطر وقد جسّد المفيدي في الثاني شخصية شبروح». عن شخصية شبروح يوضح المفيدي في تصريح الى جريدة «الأنباء» (19 فبراير 1976): «كانت شخصية عجيبة في الشكل والطباع قدمتها في تلفزيون الكويت (1976)، من حسن حظي نجحت في أدائها لدرجة أنها انطبعت في ذهن أطفالنا الأعزاء»...كذلك، شارك المفيدي في مسلسلات: «الطماعون» إخراج صلاح العوري، «درب الزلق» مع عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وعبد العزيز النمش وآخرين، «المقاصيص» مع عبد الحسين عبد الرضا، «السرايات» مع أحمد جوهر، «ابن النجار» و{طيف السلام» و{على الدنيا السلام» من تأليف طارق عثمان وإخراج حمدي فريد، «السندباد» إخراج حسين المفيدي، «الوريث» تأليف د. إقبال الأحمد وإخراج حسين المفيدي، بطولة خالد النفيسي ومريم الصالح وابراهيم الحربي وزهرة عرفات ولطيفة المجرن وشايع الشايع وهيا الشعيبي، «طير الخير» تأليف أحمد جوهر وإنتاج مركز الأبرق للإنتاج الفني وإخراج غافل فاضل، مع أحمد الصالح ومحمد المنيع وعبد الرحمن العقل وأحمد جوهر ولطيفه المجرن وفيصل بوغازي.عن «طير الخير» يقول المفيدي: «في هذه الحلقات اقتربت بشكل كبير من أدوار الخير، أجسد أصالة الناس الطيبين الذين يحافظون على الصداقة الحقة ويحرضون على المودة وهم حاضرون على الدوام إلى جوار أحبائهم وأصدقائهم ورهن إشارتهم». في مسلسل «دار الزمن»، أدى المفيدي دور أبو فواز مع سعاد عبد الله وابراهيم الصلال ومحمد جابر. عن دوره في مسلسل «الغضب» يقول: «أجسد شخصية «بومانع» وهي فكاهية، تحاول رسم البسمة على شفاه المشاهدين من خلال الأحداث المتناقضة، وهي نموذج للشخصية الكويتية القديمة التي اتّصف بها المسنون في الماضي في محيط من العلاقات الإنسانية الدافئة والعفوية، مع ذلك تتصف جوانبها بالعصبية التي تظهر بين حدث وآخر.دبلجة شارك المفيدي في دبلجة أعمال كرتونية وقدّم شخصيات: فارس العجوز في مسلسل «عدنان ولينا»، همام في مسلسل «الرجل الحديدي»، كذلك شارك في مسلسل «كوفي بو عزوز». عن هذا الأخير يقول: تدور أحداث المسلسل في العصر الحديث وتخضع الشخصية التي أؤديها لظروف وأحداث متناقضة كثيرة وهي إحدى الشخصيات الرئيسة في العمل، وتتمحور حولها الأحداث».أزمات صحيّةأصيب المفيدي عام 1987 بسرطان في الحنجرة، حول مرضه قال: «بدأت هذه الأزمة خلال مسرحية «حامي الديار» وكان التعب الذي شعرت به أولى خطوات المرض، من ثم دخلت المستشفى لإجراء فحوصات طبية فأكد لي الأطباء على أثرها أن صحتي جيدة». أضاف المفيدي: «في أثناء عملي في مسلسل «على الدنيا السلام»، وهو آخر عمل للمخرج الراحل حمدي فريد، شعرت بأن المرض بدأ يزداد رويداً رويداً، خضعت لفحوص طبية وشخّص الأطباء إصابتي بسرطان في الحبال الصوتية، فسافرت على نفقة الأمير جابر الأحمد الجابر الصباح إلى أميركا حيث أكملت علاجي، وعندما شُفيت عدت إلى بلدي». في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2002 وعلى أثر التهاب الرئتين وارتفاع ضغط الدم وزيادة دقات القلب، أُدخل المفيدي مستشفى الهادي وبقي فيه لغاية يناير (كانون الثاني) 2003. في 7 فبراير (شباط) 2007 سافر المفيدي إلى الولايات المتحدة الأميركية لإكمال علاجه وفي 5 ديسمبر 2007 سافر إلى لندن للعلاج وإجراء الفحوصات الطبية على نفقة الديوان الأميري تنفيذاً لأوامر صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ثم عاد في 9 فبراير 2008، وقد عبّر عن شعوره قائلاً: «عندما تلقيت خبر شفائي وعودتي القريبة إلى الوطن، سررت وحاولت أن أكلم أبنائي جميعاً على رغم أن حالتي لم تكن تسمح لي بالحديث، كنت أنتظر لحظة الوصول إلى أرضي الحبيبة الكويت لألتقي أهلي وناسي».قبيل وفاته أُدخل المفيدي العناية المركزة في أحد مستشفيات المملكة الأردنية الهاشمية بعدما تدهورت حالته الصحية على أثر إجراء جراحة في الحنجرة ووضع أنبوب في العنق لدعم عمل الرئة لأنها لا تقوم بوظائفها فتتم عملية التنفّس عن طريق الأجهزة.في فجر الثلاثاء 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2008 انتقل المفيدي إلى رحمة الله تعالى بعد رحلة طويلة من العطاء والحب. وفي اليوم التالي وصل جثمانه إلى مطار الكويت الدولي على متن طائرة الخطوط الجوية الكويتية القادمة من المملكة الأردنية الهاشمية، حيث كانت أجواء من الحزن والأسى تسود قاعة التشريفات وكان مشهد أولاد الراحل الذين هدّ حيلهم الحزن الشديد على وفاة والدهم مؤثراً، خصوصاً أنه أحبهم إلى درجة لا توصف.برحيل علي المفيدي فقدت الحركة الفنية الكويتية أحد أعلام الفن الكويتي المعاصر وفارساً من فرسان الدراما الكويتية في عصرها الذهبي. حفل مشواره الفني الطويل بعطاءات وإنجازات أثرت الحركتين الفنية والمسرحية. وعلى رغم مشوار مرضه الطويل إلا أنه لم يتوقف عن أداء رسالته الفنية وتحامل على نفسه حباً بالفن.جوائز- نال المفيدي جائزة وشهادة تقدير من الشيخ سعد العبد الله الصباح بمناسبة الأسبوع الثقافي في المغرب عام 1978.- كُرّم في الدورة الرابعة لـ «مهرجان الخرافي للإبداع المسرحي» عام 2007.- في العام نفسه كُرّم في «مهرجان أيام مسرح الشباب» وفي «مهرجان الكويت المسرحي» في دورته التاسعة.حول تكريمه في «مهرجان أيام المسرح للشباب» صرّح المفيدي: «إنه تكريم لجيلي، الجيل الذي وضع اللبنات الأولى للحركة الفنية، بلا منة طبعاً، بل هو دورنا وواجبنا، ولن نتوقف... سنتابع العمل أنا وأبناء جيلي من الزميلات والزملاء الفنانين». وأضاف: «تمثل مبادرة التكريم بحدّ ذاتها التواصل الحقيقي بين الأجيال، وهذا أمر أجلّه وأقدره».