قلق الرؤيا وحكمة السبعين


نشر في 08-05-2011
آخر تحديث 08-05-2011 | 00:01
 آدم يوسف ومَنيت نفسي بالهناءة ساعةً

وآمنت بالأمر الذي هو واقعُ

وكنتُ على الحالين أعرف أنني

أخادع نفسي... أم تُرى من أخادعُ؟

فلا أمنيات النفس سهلٌ منالُها

ولا أنا فيما يقنع الناس قانعُ

علي السبتي

ذاك هو علي السبتي، شاعر معبأ بالحكمة والرؤيا، حكمة السبعين، ورؤيا الحياة، وتنبؤات الوجود. له الحق في أن يتنبأ أو يرى ما يستطيع إليه سبيلاً.

لك أن تتوقف كثيراً عند قراءة السبتي في فكرة «الرؤيا»، كما أن الفكرة ذاتها قائمة بكثافة في دواوينه السابقة، ومن بينها ديوان «وعادت الأشعار»، وتبرز هذه الفكرة أكثر ما تبرز في قصيدة «من ليالي تشرين» ونقرأ منها:

البارحة فيما يرى النائم/ رأيت وجهك الحالم/ سمعت صوتك المسالم/ سمعت صوتك المسال...»

يتقاطع قلق الرؤيا، مع سؤال الوجود، فالرؤيا التي تداهمنا في المنام، وتمنحنا مفاتيح لفك طلاسم المستقبل، غير بعيدة عن التساؤل الذي يقدح بأذهاننا حين نعيش ساعة اختلاء مع الذات: كيف يأتي وماذا بعده؟ اللافت أن قصائد غزلية من شعر السبتي رقيقة حد النسيم، يطل من بين أسطرها قلق، وخوف بيّن، القلق خشية الفراق، وما يتبعه من وحدة، وليل داهم؛ لذا فهو (السبتي) أميل إلى المناجاة، والتغزل العفيف، عبر مفردات لا تخلو كذلك من اعتداد شديد بالنفس، كما هو الحال في قصائد: «شوقي إليك، و»إبحار»، و»تفسير ما لا يفسر»، و»لك العافية» التي يقول فيها:

«لك العافية/ ولي شهقتي الباقية/ لكم كل ما تشتهون/ فماذا تريدون مني/ ولست من الحاشية».

بالعودة إلى ديوان «رأيت الذي رأى» الذي صدر أخيراً نجده يستفتح القصائد بفكرة تدل على «الرؤيا»:

«زارني طائر في المنام/ له وجه طفل وعينان ناطقتان/ كان يحمل حزمة آس وقطعة جلد/ عليها كلام/ ورمى حمله وغادر/ والأريج يضوع بجوّ المكان».

فالطائر الذي يغادر المكان يترك في النفس أسى، ويجدد السؤال بشأن الرحيل، وما بعده. تُشيع مثل هذه المفردات في النفس شيئا من الحزن، الحزن الذي لا يفارق قصيدة من قصائد السبتي. قد يكون ذاك الحزن بسبب حبيب غادر، أو وحدة مؤلمة، وليل طويل، طويل. تعددت الأسباب والحزن واحد. تتجسد معظم هذه الملامح «ملامح الحزن» في قصيدة «رأيت الذي رأى» التي هي خلاصة الديوان، فالشاعر وصديقه المفترض، الذي يأتي مسندا إلى ضمير الغائب يبحث كلاهما عن مخرج للعذاب، يقول:

«كان بين الطريقين يبحث عن مخرج للعذاب/ فرأى ما رأى... ثم غاب/ غمرته الرمال/ فغاص بتلّ التراب/ وأنا قد رأيت الذي قد رأى/ وقفت على ربوة لأرى/ وأصغي لما يتلظى بتلك الصدور/ دم بالحياة يفور...».

تتحدث القصيدة عن الحبيبة، والبحر، والنوارس، وسفائن من رحلوا، عبر لغة ممزوجة بالأمل، ولكنها لا تخلو كذلك من مرارة السؤال، سؤال ما بعد الفراق.

جاء ديوان علي السبتي متأخراً بعض الشيء، إذ نجد أن بعض قصائده كتبت في عام 2007، وبعدها يعود إلى 1997، مما يشي بأن هناك قصائد ربما لم تدرج ضمن الديوان، لطول الفترة الزمنية المفترضة. يعود ذلك إلى طبع الشاعر ذاته، الذي يصرّح بأنه غير معني بنشر قصائده، أو جمعها في ديوان، انظر كتاب «علي السبتي شاعر في الهواء الطلق» للروائي إسماعيل الفهد. ففي الفصل الأول المعني بالسيرة الذاتية نجد كثيرا مما هو غائب عنا من حياة السبتي، وطريقة تفكيره، وكذا علاقته بالشاعر العراقي الراحل بدر شاكر السياب. الكتاب غني بمضمونه، والسبتي يستحق ذاك الاحتفاء، فهو- بما يحمله من قلب رقيق، وكلمات معبأة بحكمة السبعين- غذى تاريخا قيّما للقصيدة وللشعر في الكويت.

back to top