الاعتداء اللاإنساني واللاقانوني الذي تعرّض له د. عبيد الوسمي، يمثّل امتهاناً لكرامة الإنسان قبل أن يكون عدواناً على الحرية الأكاديمية، فإذا أضفنا الأخيرة فإن الأمر يصبح في أدنى حالاته.

Ad

من المهم دوماً الإشارة إلى أن نقطة الصراع ستظل وستبقى -منذ صدور الدستور سنة 1962- حول حرية الحركة والتعبير وامتداد الفضاء العام، بل إن نماذج سابقة كانت واضحة في ذات الاتجاه.

فقد كان أول من تم تطبيق قانون الخدمة المدنية بفصله من العمل بسبب آرائه د. عبدالله النفيسي، لإصداره كتاب «الكويت... الرأي الآخر»، ولحقه بعد ذلك د. خلدون النقيب بسبب إصداره كتاب «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية» سنة 1987، إذ اقتيد إلى أمن الدولة وحُقِّق معه على مدى أسبوع، ومن ثم أُفرِج عنه بقرار إداري بحفظ القضية «لعدم الأهمية»، وكانت مجريات التحقيق تدور حول مصطلحات استخدمها النقيب في كتابه، إذ اعتبروا مصطلح «وزارات السيادة» تهجّماً على الأسرة الحاكمة (هكذا).

لحقهما بعد ذلك -وإن كان بسبب الغُلاة- سجن د. أحمد البغدادي رحمه الله، بسبب إمعان في الخصومة ومُغالاة في تفسير الكلمات.

بالطبع لكل من الثلاثة الذين ربطتني بهم علاقة حميمة ومازالت، حكاية تستحق التفصيل، لكن لذلك مجال آخر.

يأتي هنا ما أثرناه وسنظل نثيره بشأن ضرورة الحد من التعسف في استخدام الصلاحيات، فلماذا يتم حبس أستاذ جامعي كعبيد الوسمي 21 يوماً على ذمة التحقيق؟ وهي قصة تكررت في أكثر من مرة بحق الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم.

وإلى متى تظل المواد الخاصة بجرائم أمن الدولة بهذه الضبابية، وتستطيع من خلال ضبابيتها أن تدخل فيلاً من التهم كما تشاء؟

ولماذا يتم اقتياد أصحاب الرأي مُصفدين بالأغلال وتحت حراسة مقنّعين وكأنهم إرهابيون؟ وما هو تفسير الإفراج عمن أُدين بسب النائب العام دون غيره من البشر؟

وماذا عن الإنسان، وهنا نعني الإنسان بالمطلق سواء كان أكاديمياً أو كاتباً أو مجردَ إنسان بسيط، الذي تثبت براءته بعد سجنه مدة طويلة على ذمة التحقيق؟ من يعوّضه عن سجنه الخاطئ؟

القوانين الكابحة للحرية بحاجة إلى نفضة، وإلّا فإننا شيئاً فشيئاً نتجه إلى السلطة المُطلَقة، وهي كما يُقال مَفْسَدة مُطلَقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.