الأمن الأوروبي الأطلسي بعد نزع السلاح النووي

نشر في 20-12-2010
آخر تحديث 20-12-2010 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن المنطقة الأوروبية الأطلسية أصبحت ونحن على مشارف عام 2011 بمنزلة درس في التناقضات الاستراتيجية، فعلى مدى الأعوام العشرين الماضية لم تشهد أي مساحة جغرافية سياسية مثل هذا التحول الدرامي الذي شهدته المنطقة الواقعة بين المحيط الأطلسي وجبال الأورال، ففي غضون سنوات حياتنا شهدنا تحولاً مرغوباًَ من أحلك أيام الحرب الباردة، حين كان اندلاع حرب تقليدية ونووية مدمرة في أوروبا يشكل احتمالاً حقيقياً وارداً، إلى عصر جديد حيث لم يعد من المحتمل أن تواجه أي دولة في المنطقة مثل هذا التهديد الرهيب لوجودها.

ولكن على الرغم من هذه التطورات الإيجابية فإن القوتين الضخمتين في المنطقة- الولايات المتحدة وروسيا- لا تزال كل منهما تمتلك الآلاف من الأسلحة النووية، والتي تشكل أكثر من 90% من المخزون النووي على مستوى العالم، ويظل عدد كبير من هذه الأسلحة منتشراً أو مصمماً للاستخدام داخل المنطقة الأوروبية الأطلسية.

وتُعَد مسألة خفض البنية الأساسية النووية المتبقية من عصر الحرب الباردة أو إزالتها بالكامل بمنزلة القسم الأعظم من الأعمال غير المنجزة من الحقبة الماضية، والواقع أن استمرار وجود القوات النووية الاستراتيجية الضخمة المنتشرة في حالة تأهب قصوى، والأسلحة النووية التكتيكية المنتشر في بعض بلدان حلف شمال الأطلنطي (الناتو) وروسيا، من شأنه أن يخلق خطر الاستخدام غير المقصود أو غير المصرح به أو عن طريق الخطأ، ناهيك عن حصول الجماعات الإرهابية على مثل هذه الأصول الخطرة، لذا فإن اليقظة الأمنية تشكل ضرورة أساسية اليوم.

وفي مواجهة هذا التحدي فقد صدقنا نحن الثلاثة- استناداً إلى خطة العمل التي تم تبنيها بالإجماع في مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 2010- على سلسلة من الخطوات العاجلة العملية نحو تحقيق الهدف البعيد الأمد المتمثل في إخلاء العالم من الأسلحة النووية، وتتضمن هذه الخطوات التالي:

• زيادة زمن التحذير المؤكد واتخاذ القرار بإطلاق الصواريخ الباليستية المسلحة نوويا.

• إنشاء أنظمة تعاونية للدفاع الصاروخي والإنذار المبكر.

• ضمان أعلى مستوى ممكن من أمان الأسلحة والمواد النووية.

• بدء الحوار بشأن الأسلحة النووية التكتيكية بمشاركة روسيا والولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو).

• تبني عملية تهدف إلى إدخال معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حيز التنفيذ.

• تطوير توجهات دولية ومتعددة الأطراف في إدارة المخاطر المرتبطة بإنتاج الوقود النووي لمحطات توليد الطاقة النووية المدنية.

• المزيد من خفض القوات النووية الأميركية والروسية.

وعلى حد تعبير وزير الخارجية الأميركية السابق جورج بي. شولتز، ووزير الدفاع الأميركي السابق ويليام جيه. بيري، ووزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر، ونائب مجلس الشيوخ الأميركي السابق سام نان في عام 2007: "ففي غياب رؤية جريئة لعالم خال من الأسلحة النووية، لن يُنظَر إلى التدابير والإجراءات باعتبارها عادلة أو ملحة. ومن دون التدابير والإجراءات اللازمة فإن الناس لن يتعاملوا مع الرؤية باعتبارها واقعية أو ممكنة".

ولعل الخطوة الأكثر أهمية نحو تحقيق هذه الرؤية تتلخص في مضاعفة جهودنا لحل المواجهات والصراعات الإقليمية التي تفسح المجال أمام نشوء قوى نووية جديدة. والواقع أن الرقعة الكبيرة من الدول التي تمتد من أميركا الشمالية إلى أوروبا وعبر روسيا من المفترض أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في دعم استقرار النظام الدولي المتزايد التفرع والإجهاد.

ولكن لن يتسنى لهذه الدول أن تضطلع بهذا الدور إلا إذا نجحت أولاً في تحويل هذه المساحة الجغرافية إلى مجتمع أمني جامع ونابض بالنشاط حقا. والفشل في تحقيق هذه الغاية (ونحن اليوم فاشلون في هذا الصدد بالفعل) من شأنه أن يرغم دول المنطقة الأوروبية الأطلسية ومؤسساتها على قبول استجابات دون المستوى الأمثل- وغير لائقة على الإطلاق في بعض الأحيان- للتحديات الأمنية في القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك خطر انتشار الأسلحة النووية.

وفي الآونة الأخيرة، تبنى العديد من الزعماء الوطنيين، بمن في ذلك الرئيسان الروسي والأميركي والأمين العام لحلف "الناتو"، فكرة المجتمع الأمني الأوروبي الأطلسي، وبدؤوا في التأكيد على أهمية صياغة نظام أمني أوروبي أكثر قوة وشمولا.

والواقع أن التوقيت ما كان ليصبح أفضل، مع دخول الأسرة الأوروبية الأطلسية إلى مرحلة حرجة. ففي التاسع عشر والعشرين من نوفمبر، وافق زعماء بلدان حلف "الناتو" على "مفهوم استراتيجي" جديد لتوجيه المنظمة في العقد المقبل. ومن ناحية أخرى، أصدر الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف ونظراؤه في حلف "الناتو" بياناً مشتركاً يصادق على المراجعة المشتركة الأولى للتحديات الأمنية المشتركة في القرن الحادي والعشرين ويقرر استئناف التعاون الدفاعي في مجال التهديد الصاروخي. وبعد أسبوعين اجتمع رؤساء دول "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" (أويسيد) في أستانا بكازاخستان للمساعدة في صياغة المرحلة التالية من التنمية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

ولابد أن يشكل العمل المشترك في مجال الحد من التهديد النووي عنصراً حاسماً في دفع دول المنطقة الأوروبية الأطلسية نحو مستوى من الاستقرار والقوة والسماح لها بممارسة الزعامة العالمية المطلوبة بشدة، ولا شك أن تحقيق نهج تعاوني في التعامل مع القضايا المرتبطة بالدفاع الصاروخي من شأنه أن يعالج تهديداً مشتركاً وأن يساعد في إزالة الشكوك التي تعوق التقدم في اتجاه إيجاد المساحة الأمنية المشتركة.

وعلى نحو مماثل، تستطيع بلدان المنطقة الأوروبية الأطلسية أن تحتشد خلف الجهود الرامية إلى تعزيز نظام ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تضمن عدم تحول البرامج النووية السلمية، من أجل تعزيز التعاون في التصدي لتهديد الإرهاب النووي، ووضع آليات جديدة لحماية البنية الأساسية الحساسة من الهجمات عبر الإنترنت. وتشكل مثل هذه التدابير أهمية قصوى بالنسبة للأمن الوطني لهذه البلدان والجهود العالمية الرامية إلى تخفيف التهديدات النووية.

إن ملاحقة الترتيبات الكفيلة بزيادة زمن التحذير واتخاذ القرار بالنسبة لبلدان المنطقة الأوروبية الأطلسية كافة من شأنها أن تجلب الاستقرار إلى العلاقة بين حلف "الناتو" وروسيا. ولابد أن تشكل التعديلات في العقيدة التنفيذية، كما ينطبق على القوى الاستراتيجية والتكتيكية والتقليدية، خطوة عملاقة نحو إنهاء الإطار المعسكر لهذه العلاقة.

وهذه مجرد قائمة جزئية مما ينبغي أن يتم إذا كانت الحكومات جادة في بناء نظام أمني أوروبي أكثر قوة وشمولاً، نظام يكفل خفض الأدوار التي تلعبها- والمخاطر التي تفرضها- الأسلحة النووية، وإزالتها في نهاية المطاف. والواقع أننا نعمل نحن الثلاثة، مع مجموعة متميزة من أنحاء المنطقة الأوروبية الأطلسية المختلفة، على تطوير هذه الخطوة وغيرها من الخطوات الملموسة التي تشكل ضرورة أساسية لخلق مجتمع أمني حقيقي، بما في ذلك الأبعاد الاقتصادية والتنموية المتصلة بأمن الطاقة. ويتعين على حلف "الناتو" ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمؤسسات الإقليمية الرئيسة أن تعمل على منح هذا المفهوم وهذه العملية الدعم الأساسي الذي لا غنى عنه لضمان النجاح.

*  إيفانوف وزير خارجية روسيا أثناء الفترة 1998-2004، ونان عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية جورجيا منذ 24 عاماً، ، وإيشنغر سفير ألمانيا الأسبق إلى بريطانيا والولايات المتحدة ورئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، والثلاثة يشتركون في رئاسة لجنة مبادرة الأمن الأوروبي الأطلسي.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top