حين سافرت إلى ولاية "South Carolina" الأميركية، ذات المساحة المنبسطة والجو المعتدل، وزرت "كلية الإعلام وعلم المكتبات" التي تأسست عام 1923، في جامعة "ساوث كارولينا-كولومبيا" (University of South Carolina) التي تأسست عام 1805، ويدرس فيها اليوم ما يزيد على 44160 طالباً، وتضم 2010 أعضاء هيئة تدريس، وتصرف ما قيمته 218.8 مليار دولار سنوياً على مجمل أبحاثها. زرتها بصفتي كاتباً روائياً من الكويت، ودار بيني وبين أساتذة الكلية نقاشات، حول الحالة الثقافية في الكويت عامة، وطبيعة العوالم التي تثير اهتمامي، وكتاباتي بشكل خاص. لكنني حين انتقلت إلى مدينة "بون-Boone" في أقصى شمال ولاية نورث كارولينا (North Carolina) المجاورة، لم أكن أتوقع رؤية الجبال الشاهقة وندف الثلج المتساقط، سيكونان في استقبالي.

Ad

رتبت إدارة "اللغات الأجنبية- The Department of Foreign Languages" في جامعة "آبالاشين" (Appalachian State University)، التي تأسست عام 1899، وبجهد طيب ومشكور من الروائية الزميلة ميرال الطحاوي، التي تحضّر لدراسة الدكتوراه هناك، وبموافقة وتنسيق البروفيسور "وليم هيوتشن-William Hutchins" المترجم القدير، الذي أتحف المكتبة الأجنبية عامة والأميركية خاصة، وأغناها بترجمات وعوالم روائية لأهم الروائيين العرب، أمثال: نجيب محفوظ وإبراهيم الكوني وفاضل العزّاوي، وغيرهم.

احتل أساتذة وطلبة اللغات الأجنبية من مختلف الجنسيات، صفوف كراسي المكتبة القليلة المصفوفة بين الكتب، والمعطرة برائحة القهوة التي تنبعث بالقرب منا، وراح بعضهم يفترش أرضية المكتبة، حين امتلأت الكراسي. ورغم ندف الثلج المتساقط في الخارج، فإن الحفاوة وطيب الاستقبال، كانا كفيلين بنشر الدفء الإنساني بيني وبينهم.

بدء اللقاء بتعريف بسيط بسيرتي الذاتية، ثم قراءة إحدى الطالبات واحدة من قصصي القصيرة التي ترجمتها الدكتورة زهرة حسين ونُشرت في العدد 10/11 عام 2001، في مجلة بنيبال "Banipal" التي تصدر في لندن، ومن ثم، وبناء على طلب من الحضور، قرأت بعض صفحات من روايتي "سمر كلمات"، وذلك كي يدرك الحضور وقع وموسيقى وتأثير الحرف العربي المقروء. بعدها فُتح باب النقاش، الذي تطرق في جزئه الأول إلى مسيرتي مع القراءة والكتابة، ووضعي الأسري، وما أن جئت على القول "إن والدتي يرحمها الله كانت من أكثر الأشخاص أثراً في حياتي، وأنني تعلمت منها التحايل الجميل على معايشة اللحظة الصعبة، والصبر على وجعها، والتفاؤل باللحظة القادمة"، ما أن قلت ذلك، حتى انعطف اللقاء، لتكون المرأة الكويتية، ووضعها الأسري والاجتماعي في الصميم من ذلك.

إن الحديث عن الكويت، وعن نسيج المجتمع الكويتي والحالة الثقافية، في الغربة، أمام جمهور أجنبي، البعض منه، لم يسبق له أن سمع بدولة الكويت، إن ذلك يتطلب بالضرورة تقديم صورة فيها من الأمانة والحقيقة، بقدر ما فيها من الإنصاف لوضع المجتمع والحرية والديمقراطية والثقافة والإبداع والمبدع، ووضع المرأة في مختلف مسيرة عمرها.

فوجئ البعض بأن المرأة الكويتية كانت منذ قرون سيدة الموقف الأسري، وأنها كانت أيام الغوص والسفر سيدة البيت وربة تنظيم شؤونه الأسرية والمعيشية، وأنها الآن في القلب من تسيّر شؤون المجتمع على المستوى الأسري والوظيفي، وأنها تبوأت مناصب قيادية مهمة. وكان وقع المفاجأة أكبر للحضور حين عرفوا بوصول المرأة إلى مجلس الأمة، واشتغالها بالتشريع للأمة.

للثقافة والإبداع تقديرٌ ووجهٌ مختلفان أمام الجمهور الغربي، وكم هي كبيرة دلالة القصة القصيرة والرواية حينما تنقلان حالة مجتمع وصورته الأبقى.