يؤلمني دائما شهر أغسطس، كثيرون ممن أحب رحلوا أو تراهم يستعدون للرحيل في هذا الشهر، قدرية الحياة لا أحد يمتلك ردها، وإلا أصبح الكون ملعباً عبثياً كبيراً، متى ما أراد كل منا تسيره وفقاً لهواه.

Ad

الأحد الماضي رحل الدكتور أحمد البغدادي، وأمام قامة «أبو أنور» تنحني الكلمات توقيراً، فهو صلب لم يهادن، عصامي لم يحصل سوى على ما يستحق، صاحب رأي جريء لم يتنازل عنه رغم قسوة تبعاته، فكان خبر رحيله أقرب إلى الفجيعة في نفوس محبيه، وأنا من بينهم، فالرجل اجتمعت فيه صفات الجار، والد صديق الطفولة، أستاذ الجامعة، الموجه.

في المقابل الشاعر فهد العسكر، مجدد الشعر الكويتي، رحل صامتاً بعد معاناة مع المرض، حرقت أشعاره، ولم يصلنا منها إلا النزر اليسير، كشفت تمرداً وجرأة في مجتمع محافظ، ومواجهة حادة لأصحاب النفوذ والمتشددين، ترجمتها شاعرية العسكر ولخصتها قصيدته «كفي الملام» المهداة لوالدته، والتي جاء فيها:

وتطاول المتعصبون وما كفرت، وكفّروني

مقاربة المفكر أحمد البغدادي والشاعر فهد العسكر، تكشف أن الرجلين رغم عيشهما في زمنين مختلفين، فإن كليهما سابق لعصره، عنيدان من طراز فريد في مواجهة التزمت ورموزه، كلا الرجلين مجدد في مجاله، وقد عاشا حياتهما تحت ضغط المتدينين ومواجهة اتهامات الخروج عن الدين بينما كلاهما واجه بشجاعة سلطة ونفوذ رجال الدين انتصارا للدين والحرية.

أحمد البغدادي وفهد العسكر توفيا في ذات الشهر، إلا أن البغدادي ولد في 1951 وهو ذات العام الذي توفي فيه العسكر، وكم هو شاسع البون ذلك العام بين النهاية والبداية، وكأن البغدادي أتى ليستكمل مسيرة التنوير التي دشنها العسكر خلال حياته، ومفسحا اليوم المجال أمام كثيرين للتناوب على حمل مشعلها.

المقاربة موجعة بذاتها، فمنذ 1951 وحتى اليوم، تقف قرابة ستون عاماً في المنتصف، لم تختلف فيها الكويت كثيراً سوى بإصدار الدستور وضمان حريات لا تنفك إلا أن تُستباح بين حين وآخر، تارة من قبل السلطة وأخرى من قبل أطراف في المجتمع مناوئة للانفتاح.

اليوم يزداد عمق الجرح باستذكار الراحل في أغسطس أيضاً قبل عشر سنوات، سامي أحمد المنيس، المعارض الشريف وصاحب الطليعة والقلب الكبير.

أغسطس 1951، 1990، 2000، 2010، كم لعينة هي أيامك يا هذا الشهر، دائما ما تختطف الأحباب، وتتركنا بلا شيء عدا التحسر على عمر يستحق الاستذكار، وكلمات تأبى أن تترجم ما نكنه من شوق لذلك الزمن الجميل ورجاله.