محاكمة مبارك بين الولاء للوطن والوفاء للرئيس
كفى إهانة للرجل... لماذا تتنكرون لجميله؟... أين الوفاء للرئيس؟... هل هكذا يكون التقدير؟ همسات تناقلها البعض منذ بداية الثورة ومطالبة الثوار برحيل مبارك ومحاكمته، وكلما تقدمنا خطوة في طريق المحاكمة ازدادت الهمسات صخباً، ومع الأمر بحبسه واقتراب محاكمته بدأ الصوت يرتفع (قد يصل إلى درجة الضجيج مع اقتراب عيد سيناء وعيد ميلاده)، متهماً المصريين أنهم ناكرون للجميل، ولا يقدرون المعروف فهل هذا صحيح؟!
إن المصريين لم ينكروا يوماً معروفاً لأحد ولم يديروا ظهرهم لشخص أو دولة وقفت معهم وساندتهم، وإذا كانت هذه حالهم مع الغريب... فهل يفعلونها مع مصري منهم؟بالتأكيد لا... ولكن هل الاعتراف بالجميل يعني التغاضي عن الجرائم والآثام؟! هل تقدير المعروف- إن كان- يعني السماح بالفساد والظلم والطغيان؟!إن مبدأ الثواب والعقاب مبدأ ديني ودنيوي... مبدأ سياسي واجتماعي لا غنى عنه لتستمر الحياة، مبدأ يقره الجميع ويعترفون به، فلماذا اليوم يلومون الثورة المصرية لتمسكها به وسعيها إلى تطبيقه من خلال محاكمة الرئيس السابق محاكمة عادلة أمام القضاء الطبيعي وليس الاستثنائي أو العسكري كما كان يفعل هو؟أعلم أن بعضاً من الكتاب الخليجيين عامة والكويتيين خاصة- ممن يستهويهم الحديث عن مصر وأحوالها وإن كانت معرفتهم لا تتجاوز منتجعات شرم ومطاعم السليمانية- يتهمون الثورة المصرية بهذا الاتهام الظالم ويقدرون للرئيس السابق مواقفه من الأزمات الخليجية، خصوصاً من الغزو العراقي للكويت، ويجب هنا توضيح نقطتين:لم يكن موقف الرئيس السابق إلا صدى وانعكاسا لموقف الشعب المصري بكل فئاته وطوائفه، فلم يكن ممكنا أن يخالف إجماع الشعب، وعلى هذا فالشعب هو صاحب الفضل- إن كان- وليس الرئيس السابق.لم يكن موقف الشعب مجاملة أو خوفاً من مغرم أو طمعاً في مغنم، ولكنه التزام بالحق والعدل، ولو تكرر الموقف- لا قدر الله- في أي مكان لوقف الشعب المصري الموقف نفسه. نعم حسني مبارك كان له موقف جيد شكرناه له في بداية حكمه حين أفرج عن المعتقلين، وقبلها شارك في حرب أكتوبر العظيمة، وتم منحه نجمة سيناء مثل غيره من قادة الحرب، ولكنه أيضا تسبب وساعد في انتشار الفساد والظلم، لقد كان مجرماً في حق الشعب الذي ائتمنه على الرئاسة، فيجب محاسبته على ما اقترفت يداه.من أجاد له الشكر والتقدير ومن أخطأ عليه الإثم والعقاب، هذا هو قانون الحياة الذي يطبق على الجميع رؤساء ومواطنين حكاماً وشعوباً، وكما يقول المثل الكويتي «لا تبوق ولا تخاف».إن الاعتراف بالجميل والوفاء به ليس صك براءة يسمح لصاحبه ارتكاب ما يشاء من أفعال وجرائم وإفساد في البلاد، ولو لم نعاقب المخطئ لما اعترفنا بجميل المحسن.كلمة أخيرة: الولاء للوطن أسمى مكانة وأعلى منزلة من الوفاء للفرد مهما كان.***السادة محررو الصفحات المصرية في الصحف الكويتية لا يعبرون عن مصر أو الجالية المصرية، ولكن يعبرون فقط عن آرائهم وأنفسهم... أقول هذا لتهدئة المصريين الغاضبين من موقف هؤلاء أمام السباب والقذف (وليس الفكر أو الرأي) الذي تتعرض له مصر في صفحات مقابلة وتالية لما يكتبون، وهم يلتزمون حكمة القرود الثلاثة انتصاراً لغريزة البقاء.***لا للانتقام والشماتة والتشفي... نعم لبناء مصر الجديدة مصر العدالة والحرية، مصر الواجب والمسؤولية، مصر الأمان والديمقراطية.