شهد الملف القبطي أحد أهم الملفات الأمنية الحساسة لمصر، لأول مرة منذ تولي البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية الكرسي البابوي عام 1971، سخونة منقطعة النظير، وذلك في مجريات أحداث عام 2010 الذي يمكن أن نطلق عليه عام التأجج الطائفي بامتياز.

Ad

فمنذ أن دقت صافرة العام، وفي 7 يناير، ليلة عيد الميلاد المجيد، شهد الأقباط مأساة وهي المعروفة بحادث "نجع حمادي" في جنوب مصر، والتي كان ضحاياها 6 أقباط بالإضافة إلى مسلم واحد، وأصيب نحو 12 آخرين على يد ملثمين أطلقوا عليهم النار عشوائيا أثناء توجه المواطنين إلى كنيسة نجع حمادي للاحتفال بالعيد. وتم القبض عليهم لاحقا وتقديمهم لمحاكمة لم تنته مع نهاية عام 2010.  وبينما طالبت وسائل الإعلام مراراً بمحاكمة عاجلة للجناة، تفجرت حادثة أكثر سخونة وهي صدور حكم قضائي نهائي ضد البابا شنودة الثالث، رأس الأقباط الأرثوذكس المصريين، يلزمه بقبول أوراق الزواج الثاني للمطلقين لتدخل الكنيسة في حسابات صعبة بين أمرين، إما رفض حكم قضائي وبالتالي تحدي الدولة أو الخضوع له وبالتالي ضياع هيبة الكنيسة بين مواطنيها التي كثيرا ما أكدت لهم أنها لا تقبل الزواج الثاني للمطلقين إلا وفق ضوابط تخصها وحدها وفقاً لرؤيتها التشريعية.

 وينتهي الأمر بأن يقرر البابا رفض الحكم بحجة أنه ضد أحكام الإنجيل وسط غضب قبطي عام من الحكم القضائي الملزم لأعلى رمز ديني لهم، مما نقل الحرج إلى الدولة التي أصبحت هي الأخرى بين أمرين إما حبس البابا وفق القانون لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي يلبي احتياجات نحو 3 آلاف قبطي مطلق لا تسمح لهم الكنيسة بالزواج، أو الصمت عن البابا باعتباره أعلى رمز قبطي تحاشيا لمواجهات عنيفة مع الأقباط فكان الحل بالتحايل على الحكم بأن سمحت الدولة باستئنافه فصدر حكم آخر من محكمة أعلى يعفي البابا من تنفيذ الحكم الأول.

وبعد أن هدأت الأجواء تماما، فجر اختفاء زوجة كاهن تدعى كاميليا شحاتة الأوضاع مجددا، إذ تظاهر نحو 3 آلاف قبطي في ساحة الكاتدرائية المرقسية في العباسية، مقر الكرسي البابوي احتجاجا على اختفائها. واتهمت قيادات كنسية شاباً مسلماً باختطافها ثم ظهرت الفتاة مجددا بعد عدة أيام لينقلب الوضع إلى تظاهرات لمسلمين أمام المساجد قامت بشتم البابا.

وكادت أن تستقر الأمور مجددا لولا أن اتخذ الملف الطائفي في مصر بعدا آخر هو الأكثر خطورة بسبب تصريحات الأنبا بيشوى مطران كفر الشيخ وسكرتير المجمع المقدس والرجل الثاني في الكنيسة المصرية، والذي قال في حوار صحافي إن المسلمين ضيوف على المسيحيين أصحاب البلد الأصليين، وعاود الكرة بوخز وجدان جميع المسلمين بتشكيكه في إحدى آيات القرآن الكريم في أحد المؤتمرات الدينية المسيحية، وهو ما لم يحدث أبدا من أي قيادة مسيحية في مصر، في أي وقت سابق. وإذ بكُتاب إسلاميين كانوا طوال تاريخهم معروفين بالاعتدال في رؤيتهم للتعامل مع الأقباط مثل الكاتب محمد سليم العوا يهاجمون البابا شنودة بضراوة ويتهمونه بمفجر الفتن الطائفية بل ويؤكد العوا أن الكنيسة تحوز أسلحة.

وبالتضامن مع تقرير أميركي يدين الحريات الدينية في مصر وقبل بدء الانتخابات البرلمانية بيومين فقط، اختتمت السنة بدماء طائفية، إذ توفي قبطيان اثنان وأصيب نحو 35 من قوات الشرطة والأقباط بعد ان هاجم نحو 3 آلاف قبطي لأول مرة قوات شرطة منعتهم من بناء كنيسة في منطقة العمرانية، لأنها مخالفة لتصريحات محافظة الجيزة التي تنص على أنها مبنى خدمات.

وترتب على مصادمات العمرانية التي استعملت فيها قنابل المولوتوف ضد الشرطة، اعتقال 158 قبطياً ثم بدأ يجري إطلاق سراحهم على دفعات. واختتم العام بلقاء بين البابا شنودة والرئيس حسني مبارك، رجحت قيادات كنسية وسياسية أنه يبشر بانفراجة كبيرة تخفف من وطأة الاحتقان الطائفي في مصر.