انصت يحبك الناس

نشر في 25-11-2010
آخر تحديث 25-11-2010 | 00:01
 د. ساجد العبدلي «أنصت يحبك الناس». هذه العبارة الرشيقة الجميلة، التي لعلها قد صارت اليوم مثلاً سائراً من كثرة تردادها، هي عبارة صادقة جزلة جداً، فهي تجسد واقعاً معاشاً يمكن أن يلمسه كل إنسان، لو هو أمعن النظر في مجريات حياته الاجتماعية اليومية. سأبدأ هذا المقال، من قمة رأسه، بسرقة سافرة لعنوان الكتاب الشهير للصديق الحبيب، محمد النغيمش: «أنصت يحبك الناس»، وذلك من باب «الميانة الأدبية». والميانة الأدبية مصطلح محدث، لا أظن أن أحدا من العالمين قد أتى به قبلي، فمعروف عن الأدباء والكتاب أنهم يتحسسون كثيراً، وربما يثورون، وقد يتقاتلون، بالقرطاس والقلم، إن «مان» أحد ما، كائناً من كان على كتاباتهم، لكنني سأغامر، متكئاً على رقة طباع أخي النغيمش وذرابة نفسه التي أعرف!

«أنصت يحبك الناس». هذه العبارة الرشيقة الجميلة، التي لعلها قد صارت اليوم مثaلاً سائراً من كثرة تردادها، هي عبارة صادقة جزلة جداً، فهي تجسد واقعاً معاشاً يمكن أن يلمسه كل إنسان، لو هو أمعن النظر في مجريات حياته الاجتماعية اليومية.

لطبيعة وظيفتي وأنشطتي التي يدور أغلبها في دائرة التعامل المستمر مع الأنماط المختلفة من البشر، ألتقي يومياً بعشرات الناس، ولم أجد في تعاملي معهم حتى الساعة ما هو أكثر تأثيراً وملامسة للقلوب، من الإنصات الجيد لهم، وإشعارهم بالاهتمام الحقيقي بما يقولونه ويطرحونه، حتى لو لم أستطع أن أقدم لهم في نهاية المطاف حلاً شافياً لما قد يتساءلون عنه، بل يكفي الواحد منهم ذلك الشعور بأن هناك طرفا آخر قد منحه من وقته ولو بضع دقائق للإنصات، والتفاعل مع ما قاله. والعكس صحيح أيضاً، فلا شيء يستفز الناس ويثير نفوسهم تجاه الإنسان، أكثر من إحساسهم بتجاهله لهم حين يتحدثون إليه، أو انشغاله عنهم بشيء آخر، فهذا يرسل لهم الإشارة بأنه غير مهتم بهم، أو لعله يتعالى عليهم!

وأذكر يوم كنت طبيباً متدرباً في أحد المستشفيات الحكومية، كيف أن كثيراً من المرضى كانوا يحرصون على مراجعة طبيب بعينه، وهو ليس الأعلى شهادة أو الأعمق في التخصص، وينصرفون في أحيان كثيرة عن الطبيب الاستشاري الكبير، وذلك لأن لهذا الطبيب الجديد روحاً خفيفة، وحرصاً كبيراً على الإنصات لهم وإعطائهم الفرصة للتعبير عما يجول في خاطرهم في أثناء شرحهم لمشكلاتهم الصحية، على عكس الاستشاري الذي كان لا يعطيهم من وقته ولا حتى دقائق معدودة، إما لانشغاله وإما لأسباب أخرى.

ولعل البعض منكم سيستغرب لو ذكرت أن بعض الدراسات الإحصائية قد أثبتت أن أكثر المرضى لا يتضايقون حين يبدي طبيبهم المعالج في لحظة من اللحظات عدم معرفته بأمر من الأمور المتعلقة بحالتهم الصحية، أو أنه قرر الاستعانة بغيره ممن هو أكثر علماً أو تخصصاً في جزئية ما من حالتهم، بل حتى لو هو وقع في خطأ ما، طالما أنه كان منذ البدء واضحاً معهم وعلى علاقة إيجابية معهم، في حين أنهم سينقضون على ذلك الطبيب المتعالي غير المنصت، لو هو وقع ولو في عثرة بسيطة، ناهيك عن أن يقع في خطأ فادح، فحينها سيفتكون به فتكاً!

الإنصات الجيد من أهم المفاتيح التي تفتح مغاليق النفوس، وتكسر الحواجز بين الناس، وتقربهم من بعضهم، وكل من حاز هذه المهارة يدرك هذا جيداً، ويعرف أثره البالغ في حياته، ولهذا فستظل النصيحة الغالية والصالحة في كل مكان وزمان لكل إنسان في أي موقع كان، هي التي جعل لها صديقي محمد النغيمش كتاباً كاملا يتحدث عنها، وهي: «أنصت يحبك الناس»!

back to top