اعتبر ممثلو جمعيات النفع العام منع الكتب في معرض الكتاب عملاً معيباً، يعرض سمعة البلاد للخطر، لافتين إلى أن معرض الكويت أصبح الأسوأ من حيث التشدد الرقابي، وأن «سمعتنا في المحافل الدولية هي المتضرر الأكبر من عملية المنع».

Ad

استضافت جمعية الخريجين مساء أمس الأول مهرجانا خطابيا دعت إليه عددا من جمعيات النفع العام التي رفضت بدورها منع الكتب الذي أصبح سمة أساسية في معرض الكويت الدولي للكتاب، وأكدت تراجع ترتيب المعرض الذي كان يعد في السابق حدثا ثقافيا كبيرا منذ انطلاقه في أواسط السبعينات من القرن الماضي بسبب التشدد والتزمت.

وأكد عضو مجلس الأمة صالح الملا أن ما يحدث الآن من منع للكتب هو أمر طبيعي وعادي في ظل حكومة أصبحت خانعة وآثرت السلامة. وأوضح أن الأصل في ما يتعلق بالكتب ومعرض الكتاب هو الإباحة ولكن الآن انقلبت الآية وأصبح العكس هو الصحيح، مبديا أسفه من إشادة عدد كبير من النواب بوزير الإعلام على خلفية منعه 24 كتابا في معرض الكتاب الحالي "وهم الذين طرحوا فيه الثقة قبل ثلاثة أشهر"!.

وقال الملا في كلمته خلال المهرجان الخطابي الذي نظمته ودعت إليه جمعية الخريجين بحضور 9 ممثلين عن جمعيات النفع العام مساء أمس الأول وجاء تحت عنوان "الكتاب ومقص الإرهاب"، انني "أتحدى أن يعرف وزير الإعلام عناوين الكتب التي منعت"، مشيرا إلى أن "هذا المنع يعرض سمعة الكويت للخطر، بدليل أن كثيرا من الناشرين والروائيين والكتاب والمثقفين أعلنوا مقاطعتهم لمعرض الكويت الدولي للكتاب بسبب هذا المنع. وأضاف انه يجب في هذه المناسبة أن نتذكر بكل إجلال الراحلين د. أحمد الربعي ود. أحمد البغدادي، مشددا على أننا في حاجة إلى مزيد من المهرجانات الخطابية لعمل ضغط شعبي لتوعية الشارع الكويتي بخطورة ما يحصل، لافتا إلى أن "الأزمة البغيضة التي مررنا بها قبل فترة وجيزة أتت من خلال الخور الفكري وسنوات القمع والتحالف الحكومي مع قوى المنع والتخلف والتعصب الفكري".

استقالة حكومة

من جانبه، أكد الكاتب الصحافي احمد الديين أن معرض الكويت الدولي للكتاب "يعتبر الثالث عربيا وكان يعد حدثا ثقافيا كبيرا منذ انطلاقه في أواسط السبعينات والذي شهد تحولا كبيرا بدءا من دورته الـ22 عام 1997 في عهد وزير الإعلام الأسبق الشيخ سعود الناصر الذي أفسح المجال لبعض الكتب التي حجبتها الرقابة دون مبرر وقدم بسببه استجواب من قبل بعض المتعصبين من التيارات الإسلامية نتيجة تسريب تقارير عن لجنة الرقابة بالكتب الممنوعة أعقبها استقالة الحكومة عام 1998".

وقال الديين انه "منذ أن ابتلينا بهذه الآفة في الدورة 22 للمعرض والمسلسل يتواصل لدرجة قيام رقباء غير رسميين بابتزاز دور نشر تعرض كتبا مثيرة للجدل وفق مقاييسها فأصبحت الرقابة على معرض الكتب والتعسف الرقابي هي السمة الغالبة عليه ما أدى الى تراجع دوره".

وأضاف "اننا لسنا ضد وجود رقابة من حيث المبدأ خاصة في الكتب الإباحية والتي تحض على الكراهية الطائفية"، رافضا منع الكتب العلمية تحت ذريعة أنها إباحية، ورافضا ايضا التعسف الرقابي الذي تحاول أن تقلل منه وزارة الإعلام بأنها منعت 24 كتابا من أصل 24 ألفا، مشيرا إلى عدم دقة هذه الادعاءات، "فدور النشر الجادة قاطعت منذ سنوات معرض الكتاب او لم تدع إليه إلى جانب أن كثيرا منها تجنب أن تبعث الكتب التي يحتمل منعها في الكويت بسبب التعسف الرقابي"، مؤكدا أن معرض الكويت للكتاب أصبح الأسوأ من حيث التشدد الرقابي مقارنة بمعرض الرياض للكتاب ما يلقى بآثاره السلبية أولا على القارئ الكويتي الذي حرم من الجديد من نتاج دور النشر والمطابع وثانيا على سمعة الكويت.

وبين الديين أن الروائيين المصري يوسف القعيد والسعودي عبده خال اعتذرا عن المشاركة كضيفين بمعرض الكويت للكتاب بسبب التشدد والتعسف الرقابيين، معترضا على اعتبار الأمر خلافا بين الليبراليين والإسلاميين "إنما أساسه معركة مع المتزمتين في ظل تواطؤ السلطة معهم بتشددها الرقابي لأن القراء ليسوا جميعا ليبراليين علاوة على وجود مستنيرين من كلا التيارين".

وطالب الديين بهامش رقابي أرحب خلال فترة المعرض وتغيير فلسفة الرقابة التي تقوم على أن جميع الكتب ممنوعة في الأصل وان إفساح المجال للبعض منها هو الاستثناء "لأن العكس هو المطلوب لمنع الكتب المبتذلة والهابطة لا النتاج الثقافي والأدبي الجاد".

رقابة غبية

بدوره، شدد ممثل الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان عبدالمحسن مظفر تقي على أن الدستور الكويتي يجب أن يحكم كثيرا من التصرفات خاصة انه أتاح الحريات المختلفة، مؤكدا أن المواثيق والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان التي صادقت عليها الكويت نصت على العديد من الحريات المدنية والسياسية ما يلزمها بما جاء في هذه المواثيق.

ووصف تقي عملية الرقابة بـ"الغبية، لأن كل منع يؤدي لزيادة الانتشار" في إشارة منه إلى كتاب آيات شيطانية لمؤلفه سلمان رشدي الذي منع ومع ذلك موجود في كل بيت اليوم لدرجة أن الكتاب تمت ترجمته من الانجليزية إلى العربية، ما يؤكد أن من يسعون الى منع الكتب يسيرون باتجاه خاطئ يساهم في نشر هذه الكتب، متسائلا عن كفاءة وأمانة الرقيب ليكون حكما على عقول عموم الناس ليمنع عنهم الاطلاع على أي مطبوع، لافتا الى ان من يستطيع ذلك يجب ان يكون سوبرمان فكريا لكي يقدر مدى تأثيرها على أفكار وأخلاق القراء، مستغربا تصريح وزارة الإعلام بأنها بصدد مراجعة الكتب التي تم منعها من معرض الكتاب "ما يدل على انه لم يتم بحث دقيق في الكتب الممنوعة"، متسائلا عن المبرر للمنع في الأساس.

وقال إن "من عهدت إليه مراقبة كتب المعرض ليست لديه إمكانية لكي يقرأ ويفند 24 ألف كتاب بحيث يتم السماح بدخول هذه الكتب من عدمه"، متعجبا من منع كتب تتناول قضايا سياسية في بلدانها وسمح بنشرها في هذه البلدان لتمنع في معرض الكويت الدولي للكتاب، متسائلا: هل نحن حريصون على مصلحة هذه البلاد أكثر من مسؤوليها؟

مثلث برمودا

وأكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. غانم النجار أن معرض الكويت الدولي للكتاب أصبح أسوأ معرض في العالم العربي وان معرض السعودية للكتاب أفضل منه بمراحل.

وأعرب النجار عن ذهوله بما وجده من سماح للعديد من الكتب في معرض الكتاب السعودي في شهر ابريل الماضي، لافتا إلى أن بعض الناشرين من خارج الكويت يطلقون على معرض الكويت للكتاب معرض كتب الطبخ ومثلث برمودا، مشيرا إلى أن "تراجع معرض الكتاب يأتي ضمن سلسلة من التراجعات التي تشهدها الكويت في مجال الحريات ومن بينها حرية التعبير"، مستغربا عدم وجود مقياس لطريقة منع الكتب في المعارض المختلفة للكتاب في الكويت حيث تمنع كتب لمدة عامين ثم يسمح بنشرها، مثلما حدث مع كتاب للدكتور احمد الخطيب الذي نشر في "الجريدة" ثم منع بعدما طبع ليسمح بنشر الجزء الأول منه ومنع الجزء الثاني من النشر.

وأوضح النجار أن عملية منع الكتب عن الناس أصبحت مملة بعد أن تحولت إلى قضية، مشيرا إلى أن الحكومة تعتقد أنها تحقق انجازا بمنعها الكتب رغم وجود هذه الكتب على صفحات الانترنت، لافتا إلى احد الناشرين اللبنانيين من خارج الكويت اقترح أن يتم تنظيم معرض الكتاب في الكويت تحت رعاية سمو الأمير حتى يكون خارج نطاق السلطة التنفيذية.

انحسار المواهب

وقالت الروائية ليلى العثمان إن "من راقب الناس مات هما لكن من يراقبون الإبداع بسبعة أرواح طويلة ونحن الذين نتعرض للمراقبة من سيموت من الهم"، مؤكدة أن الرقابة المتخلفة في وزارات الإعلام العربية وعلى رأسها الكويت مسؤولة عن انحسار المواهب الجديدة.

وأضافت ان "مظاهر ملاحقة الكتب ومنعها تؤرق شباب الكتاب وتجعلهم في زمن العولمة والانفتاح إما يلجأون إلى الأسماء المستعارة واما يكتبون ما يغلب عليه الطابع الإصلاحي او نشر كتابات مبهمة وكأنهم يريدون أن يأمنوا شر الرقابة والمنع". واعتبرت أن "منع الكتب جريمة يرتكبها رقباء الإعلام والظلاميون ممن سادت أفكارهم واجتاحت عقول الشباب حتى أصبح الكثير منهم يغلق نوافذ الفكر والمعرفة ويعلق مفتاح الجنة على صدره، بعد ان أصبحت المقصات في أيدي الخياطين تقوم بعمل فني إبداعي لمصلحة الإنسان بينما هي في أيدي الرقباء مشرط لقصقصة أجنحة الإبداع والفكر اللذين يجب ان يكونا في منطقة آمنة بعيدا عن الوصاية والضغط".

لاحقة وسابقة

من جانبه، قال ممثل المسرح العربي فؤاد الشطي إن "حرية التعبير للإنسان مكفولة منذ الخليقة وللمبدعين أن يعبروا عن آرائهم في كل المجالات".

وانتقد الشطي لجنة الظواهر السلبية التي وصفها بأنها تعد "منكرا في حد ذاتها وهي لجنة تتجاوز روح الدستور"، مشيرا إلى أن "الرقابة يجب أن تكون لاحقة لا سابقة على النشر والعمل الإبداعي"، مضيفا أن "لنا 3 عقود ونحن نرفع الصوت عاليا من محاولات هؤلاء الذين يريدون سرقة مكتسباتنا الدستورية".

وأوضح أن الحكومة أذعنت لفترات طويلة لهؤلاء، مشددا على أن "مجلس الأمة تقع عليه مسؤولية كبيرة في تصحيح هذا الخطأ"، مؤكدا أن "رجالات الكويت الأوائل من الرعيل الأول اتسموا بالحكمة وكان الكثير منهم قليل التحصيل العلمي إلا أن آفاقهم كانت تتسع لكل شيء وهم وراء تلك الإنجازات والمؤسسات التي ننعم بها".

صوت مسموع

وقالت ممثلة رابطة الأدباء ليلى السبعان إن المؤسسات المدنية في الكويت صوتها مسموع داخليا وخارجيا، مشيرة إلى أن الكويت تتمتع بقدر عال من الحرية، وأن لجنة الرقابة في وزارة الإعلام منعت 24 كتابا لأن عددا منها يحض على الكراهية وعددا آخر يحوي جملا مقززة. وأوضحت أن "الكويت بها جهة واحدة رقابية هي وزارة الإعلام، أما في دول عربية أخرى فإن هناك 5 جهات تمنع"، مشددة على أن الثقافة في الكويت ما تزال بخير.

عدم العزلة

وقال ممثل جمعية الخريجين إبراهيم المليفي ان "السكين وصل العظم" بسبب تسيد الفكر المتعصب وإغلاق نادي الاستقلال ومنع الكتب، داعيا المثقفين الى عدم العزلة عن المجتمع. وأشار إلى أن الاحتجاج ضد منع الكتب بدأ منذ العام 2006، مؤكدا أن قضية منع الكتب ليست قضية شعبية وليس لها جمهور عريض، مشيرا إلى أن "المثقفين نوعان الأول يتفرج والآخر متواطئ مع السلطة".

وأضاف ان "هامش الحرية الذي أوجده دستور 62 يتآكل"، مشككا في عدد الكتب التي تم منعها، مضيفا أن "دور النشر تبعث للكويت أسوأ الكتب، ولجنة الرقابة تتكون من 8 أو 9 أشخاص، من أين لهم أن يقرأوا 100 كتاب خلال بضع ساعات؟"، لافتا إلى أن بعض الكتب يمنع من مجرد قراءة عنوانه، مشيرا إلى أن كتاب "الفنون في غرف النوم" منع في الكويت وأجيز في المملكة العربية السعودية وسبب المنع أن الهوامش الموجودة فيه أقوى من المتن! وأوضح أن "مكافأة الرقيب لا تتعدى 150 دينارا وهذه المكافأة لم تصرف منذ 6 أشهر".

النصف: ما الذي يخيفهم من الكتاب؟

أكدت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية شيخة النصف أن "السبب وراء ما وصلنا إليه هو عدم الإيمان بالديمقراطية"، داعية إلى اتخاذ موقف حاسم وحازم.

نسير للخلف

وقالت إن "السيل بلغ الزبى وأصبحنا نسير للخلف وننتقل من طريق ضيق إلى آخر أكثر ضيقا، فبالأمس كان منع الاختلاط وتلاه منع التجمعات والاحتفالات ثم الحفلات الرمضانية أو أي صورة من صور الحياة والبهجة ثم منع الندوات واستضافة المفكرين والأدباء واليوم يأتي منع الكتاب من الوصول إلى أيدينا"، مضيفة لقد "ضاقت صدورنا بهذه القرارات والممنوعات، ضيق أولئك بالكتاب والحرية والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يخيفهم من الكتاب؟".

وأوضحت النصف في كلمتها أن "هناك من نصبوا أنفسهم أولياء على أمورنا ومنحوا أنفسهم حق تقرير مصيرنا وتحديد ماذا نلبس وعلى أي مقعد في الجامعة نجلس وأي كتاب نقرأ فكيف وصلوا لذلك؟ وكيف وصلنا الى هذه الحالة المتردية من تعتيم للفكر ومنع الحريات حتى أصبح الفرد منا يبحث عن لحظة سعادة أو فرح أو كتاب في دولة أخرى؟، ووجهت رسالة إلى "من نصب نفسه وليا على أمرنا أننا نضجنا وبلغنا سن الرشد وأصبحنا قادرين على التمييز بين الغث والسمين وعلى الاختيار".