ينقل عن أحد كبار الأئمة من أولياء الله في شرح له في تعريف المروءة مخاطباً أحد مريديه قوله «المروءة هي في ألا يراك الله حيث نهاك، وألا يفقدك من حيث أمرك»!

Ad

السيد ناصر الخرافي وهو رجل أعمال عربي معروف وشقيق رئيس مجلس الأمة الكويتي يكاد يكون المصداق الأكثر إشراقاً وتجسيداً لهذه المقولة بين رجال الأعمال على مدى الأعوام القليلة الماضية!

الذين يعرفون الرجل عن قرب كما الذين يتابعون سلسلة مواقفه يؤكدون أنه لم يترك مناسبة شعر فيها بأن المقاومة الإسلامية الشريفة والنبيلة في لبنان تتعرض فيها لهجوم، أو اشتم فيها مؤامرة حيكت ضدها في بيوت الظلام, أو حدّثه وجدانه بأن رجال الله الأحرار هؤلاء بحاجة إلى من مثله ليدلوا بشهادتهم أمام التاريخ إلا وقد فعل!

لكن بيانه الأخير الذي سجله على صفحات جريدة «القبس» الغراء، وهو يدافع فيه عمن سماه بـ»سيد النصر الإلهي» وفضحه للمؤامرة الأميركية- الصهيونية التي تتخفى بلبوس ما بات يسمى بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ربما كان الموقف الأكثر تجسيداً لمقولة المروءة الآنفة الذكر!

فناصر الخرافي أراد من خلال مقاله الذي عنونه بـ»العدالة في العيادة» في إشارة إلى الزيارة المشبوهة لفريق من المحققين الدوليين إلى عيادة نسائية في الضاحية الجنوبية لبيروت أن يقول لكل صاحب وجدان وضمير حي في هذا الوطن العربي الكبير, إن الوقت لم يعد وقت الحياد أو الوقوف على التل وانتظار الأحداث, بل الوقت هو وقت الرجال... الرجال الذين يقفون حيث أرادهم الله أن يقفوا, وأن يبعدوا بأنفسهم عن المكان الذي نهاهم الله من أن يحشروا فيه!

ومع ذلك فرجل من مثله لم يكن بحاجة بالضرورة إلى بيان، من النوع الذي قرأناه، قاطع وحازم وصارم في الدفاع عن المقاومة وسلاحها, وشفاف أشد الشفافية في فضح أهداف المخططين والمفبركين لحكاية فريق التحقيق الدولي التابع للمحكمة الدولية ضد المقاومة ولبنان حتى يثبت حبه وإخلاصه لأمته وأهله ووطنه العربي والإسلامي الكبير، وهو المشهود له في مواقفه الداعمة للقضايا العادلة ولـ»حزب الله» اللبناني ولسماحة السيد حسن نصر الله تحديداً, لكنه أراد هذه المرة على ما يبدو أن يقدم إضافة نوعية مهمة، ألا وهي أن الموقف في مثل هكذا ظروف هو نوع من السلاح الذي يمكن أن يكون في لحظة تاريخية معينة وفي المنعطفات أمضى من أي سلاح آخر مطلوب أن يُشهَر على الملأ ليساهم في الوقوف بوجه أكثر الأسلحة دماراً للمجتمعات ألا وهو سلاح التآمر والغدر والخيانة!

في اللحظات الحرجة من تاريخ الأمم تعرف معادن الرجال, وفي اللحظات الأكثر حرجاً تجرب مدى صدقية كل رجل ومدى صفاء معدنه, وناصر الخرافي أثبت في هذا الموقف أنه من ذهب!

كلمات قالها رجل أعمال كان يمكن ألا يقولها ولا يعتب عليه أحد, بل حتى إن البعض قلق عليه أو على بعض مصالحه لشدة ما ذهب إليه, وفضل له لو أنه لم يذهب إلى الحد الذي ذهب إليه في صراحته وشفافيته, لكن الرجل لم يرد أن يكون ضنيناً على الحق، والحقيقة في هذه اللحظة التاريخية من لحظات الأمة بالذات كان مهمّاً مآل مقاله!

ولعله في هذا الموقف الجريء والشجاع يذكرنا بالشهيد الكبير الشيخ راغب حرب، وهو القائل في زمن الصمت والانبطاح:» الموقف سلاح والمصافحة اعتراف» عندما رفض مصافحة المحتلين والسكوت على استباحاتهم المتكررة للجنوب اللبناني آنذاك، مفضلاً تقديم أغلى ما يملك وتسجيل اسمه في سجل الخالدين على البقاء «حياً» في جوقة الخانعين!

إنه الموقف الذي يمكث في عمق الأمة ووجدانها, لاسيما أنه يأتي في زمن جوقة المطبعين وضحيج أصواتهم التي تحاول اختراق حاجز صوت الشرفاء والأحرار من أمثال ناصر الخرافي ورفاقه من المهاجرين والأنصار المتمسكين بعهودهم رغم أطواق الحصار!

إنه موقف مشرف يكرره اليوم رجل من جنس رجال الله الذين بهم نعتز ومعهم ننتصر للحق إن شاء الله، شاء من شاء وأبى من أبى، والعاقبة للناصرين لدين الله والمنتصرين به ولو كره الحاقدون والمرجفون في المدينة من المنافقين والانتهازيين!

إنه المثل الذي ينبغي أن يعمم في هذه اللحظات التاريخية كل من موقعه, أياً تكن أثمان هذا الموقف لأنه تجارة مع الله والتي هي التجارة الوحيدة التي لا تبور!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني