النقاب الفرنسي
اتصل مصري من فرنسا بقناة سعودية تذيع برنامجاً للفتاوى على الهواء مباشرة، قائلاً: «يا فضيلة الشيخ نحن هنا في فرنسا وقد أصدرت الحكومة الفرنسية قانوناً يغرم من يغطي وجهه بنقاب أو لثام بغرامة تبلغ 150 يورو، وزوجتي تلبس النقاب وأنا رجل ضعيف لا أستطيع دفع الغرامة فماذا أفعل؟»، فرد الشيخ الجالس علي كرسي من الجلد في استديو مكيف: «لتجلس زوجتك في المنزل فلا داعي لخروجها، فحفظ دينها ألزم عليها».أمام هذه الفتوى التي لم تتأمل دقيقة حال المتصل، ولم تسأله حتى إن كانت زوجته تعمل أم لا؟ أو هل هي مضطرة إلى الخروج حين يكون زوجها في ساعات عمله الطويل لتحضر الأطفال أو مستلزمات البيت والأطفال، لا تستطيع أن تتبين من هو الملوم: هل هو المتصل المصري الذي ترك فتاوى الشيوخ اليسيرة التي لا تلزم النساء بغطاء الوجه كشيخ الأزهر حين قال «إن لبس النقاب عادة وليس عبادة»، ويفضل الاتصال بهذا الشيخ الذي يعرف عنه التشدد، أو تلوم هذا الشيخ الذي قاس جوابه على حياة العصور الوسطى؟
يبدو أن التيار الإسلامي المتشدد الذي ترك وجوه اليسر واتجه إلى العسر قد أنتج جمهوراً متشدداً يفتش عن الفتاوى الأكثر تشدداً حتى ولو ثبت له تناقضها مع الواقع وجعلت حياته صعبة، وهؤلاء بدورهم ينتجون معارك لا تنتج سوى مزيد من التوترات مع العالم من حولهم، وتصعب الاندماج فيه كما تدعي اليوم فرنسا، وتحث فيه المنتقبات على دفع غرامة أو الالتحاق بدورات تدريبية تشرح لهم قواعد الاندماج المجتمعي وأصول المواطنة.أنا شخصياً أظن أن قانوناً يغرم المنتقبات سيكلف فرنسا الكثير من الصداع، لكنني لست معنية بصداع فرنسا ولست قلقة عليها، لكنني معنية بما يمكن أن تخلقه أزمة النقاب الفرنسي التي ستشبه أزمة الرسوم الدنماركية، إذ سيختطفها الإسلاميون المسيسون ليشعلوا معركة يفتشون فيها عن نصر مبين وليثبتوا للحكام أن الرأي العام لايزال في قبضتهم. معظم قادة المنظمات الإسلامية بما فيها المدنية يعرفون ويعترفون في الإعلام بأن النقاب ليس فرضاً وليس من الخمار الشرعي، لكنهم لا يشرحون هذه الحقائق الكفيلة بخلق مواقف معتدلة بين الناس، والتي تسهم في إظهار صورة ليسر الإسلام، وان الإسلام لا يحث على طمس هويات النساء وإخفاء وجوههن في الحياة العامة، لكن هؤلاء لا يحرصون عادة على خدمة الدين بل هم يخدمون أنفسهم، حريصون على السباحة في التيار الذي يوصلهم إلى مكاسب قد تفر منهم لو سبحوا عكسه.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة