مصر: وقف بناء كنيسة يفجِّر مواجهات غير مسبوقة بين الأقباط و«الدولة»

نشر في 25-11-2010 | 00:01
آخر تحديث 25-11-2010 | 00:01
اشتباكات بالحجارة و«المولوتوف» والقنابل المسيلة للدموع تسقط قتيلاً و67 مصاباً
في حادث هو الأول من نوعه من حيث طبيعته وحجمه، فجر وقف الأمن المصري بناء كنيسة قبطية في منطقة الجيزة القريبة من القاهرة، بحجة عدم حيازة التراخيص اللازمة، مواجهات عنيفة بين الشرطة والأقباط الذين خرجوا للاحتجاج على هذا القرار، مؤكدين أنهم أنهوا الإجراءات اللازمة، ما أدى إلى مقتل شاب قبطي وإصابة 67 شخصاً آخرين واعتقال 93 من الأقباط للتحقيق معهم.

في انفجار غير مسبوق وخطير للعلاقة بين الأقباط والدولة المصرية، شهدت العاصمة المصرية أمس، تصعيداً خطيراً لأحداث الاحتقان الطائفي التي تشهدها البلاد منذ سنوات تمثل في انعطافة حادة في السلوك المعتاد من أقباط مصر تجاه الدولة المصرية، الذي اتسم في العادة بالتعبير عن الغضب دون اللجوء إلى العنف.

وحدث التطور الخطير عندما فوجئت العاصمة القاهرة بتجمهر غاضب لآلاف الأقباط أمام مبنى محافظة الجيزة محاولين اقتحامها، وذلك بعد مواجهات محدودة بدأت ليل الثلاثاء- الأربعاء عندما اقتحمت قوات الأمن المصرية مقر كنيسة "العذراء والملاك ميخائيل" في حي العمرانية جنوب محافظة الجيزة ومنعت مواصلة أعمال البناء فيها، بحجة عدم استكمال التصاريح اللازمة.

وقال الأقباط المشاركون في بناء الكنيسة إنهم استكملوا كل التصاريح اللازمة، وأن أجهزة الأمن منحتهم ضوءاً أخضر للانتهاء من بناء الكنيسة ليلاً، وسمحت لهم بإتمام ذلك في فترة من الثالثة فجراً حتى السادسة صباحاً، حتى لا يثيروا حفيظة المسلمين في المنطقة.

وقالت روايات أخرى إن حضور الشرطة المكثف الى الكنيسة جاء بعد أن اعتدى بعض الشباب الأقباط على 3 سيارات شرطة، كانت مكلفة بحراسة الكنيسة ومنع أعمال البناء فيها.

وبعد مواجهات محدودة ليلاً بدأ الأقباط يتجمهرون منذ الفجر قرب موقع الكنيسة، ومن ثم توجهوا إلى مقر محافظة الجيزة وحاولوا اقتحامه ورشقوا الحجارة باتجاهه ودمروا غرفة الأمن على الباب الرئيسي، ما أدى إلى اشتباك المتظاهرين مع أجهزة الأمن بالعصي والحجارة والعبوات الحارقة، وأسفرت المواجهات عن سقوط طالب قبطي يدعى مكاريوس شاكر (19 عاماً) قتيلاً وإصابة 39 من الأهالي بينهم أربعة أطفال أصيبوا بحالات اختناق شديد، إضافة إلى إصابة 28 من قوات الشرطة بينهم نائب مدير أمن الجيزة. كما اعتقلت أجهزة الأمن 93 متظاهراً وأحالتهم إلى التحقيق.

وانتقل إلى مكان المصادمات اللواء محسن حفظي مدير أمن الجيزة وقرر تسيير حركة المرور بشارع الهرم، وذلك في تمام التاسعة صباح أمس، وذلك بوضع كردون أمني حول مبنى المحافظة، وإغلاق جميع الشوارع المؤدية إلى شارع الهرم بجنود الأمن المركزي لمنع المتظاهرين من إيقاف الحركة المرورية بالشارع.

كما أغلقت الأجهزة الأمنية الشوارع المؤدية إلى الكنيسة ومنعت مرور الأهالي والسيارات، في الوقت الذي سيطر فيه آلاف الجنود على منطقة الطريق الدائري أعلى منطقة الكنيسة في العمرانية بعد إغلاقه ساعات ترافقهم سيارات مصفحة وعدد كبير من القيادات الأمنية.

وعلى الفور بدأت اتصالات رفيعة بين الأجهزة المعنية وقيادة الكنيسة المصرية لاحتواء الموقف المتوتر قبل المزيد من التصعيد، وبادر الأزهر الشريف بإصدار بيان طالب من خلاله المصريين جميعاً بالاعتصام بوحدتهم الوطنية، والالتزام بأحكام القانون والبعد عن كل ما يمس أمن الوطن، معرباً عن أسفه الشديد للأحداث المؤلمة التي وقعت في منطقة الجيزة. وأهاب الأزهر بالجهات المعنية أن تعالج هذا الأمر بكل ما يمكن من حكمة، انطلاقاً من الحرص على الأخوة الوطنية وعلى أمن مصر واستقرارها.

واستمراراً للحالة الأمنية المتوترة، فرضت أجهزة الأمن كردوناً أمنياً على عدد من الكنائس الموجودة بمحافظة الجيزة وبعض المحافظات الأخرى، وتفريق جميع المواطنين من أمام الكنائس.

وقال محافظ الجيزة سيد عبدالعزيز في مؤتمر صحافي عقب أعمال الشغب: "ستكون هناك بعض المفاوضات لوضع حل جذري لمشكلة الكنيسة"، مؤكداً أنه حاول الاتصال بالبابا شنودة أمس الأول لإنهاء مشكلة الكنيسة ولتفادي الوضع الراهن، ولكن حالته الصحية لم تسمح بذلك، مشيراً إلى أن المشكلة نابعة من تحويل مبنى إداري إلى كنيسة بدون الحصول على التراخيص اللازمة، وأكد أن المحافظة مستعدة للتعاون لحل المشكلة.

وتابع عبدالعزيز: "كاتدرائية الأقباط طلبت إنشاء المبنى الإداري بحي العمرانية وتم بناء 3 أدوار وبدأت محاولات لتحويل المبنى إلى كنيسة، وقلنا لهم أوقفوها لأن هذا يحتاج إلى ترخيص خاص، وقلت لأحد القساوسة أثناء احتفال المحافظة بعيدها القومي منذ أسبوعين، إن المحافظة ستساعدكم في تحويل المبني من إداري إلى كنيسة، وبالفعل ذهبت لجنة للتفاوض مع المتجمهرين داخل الكنيسة أمس الأول ولكنهم استأنفوا أعمال البناء".

من ناحيته، أفاد القمص مينا ظريف قمص كنيسة "ماري مينا والملاك دريان" في العمرانية، بأن "قوات الأمن حاصرت الكنيسة بـ250 سيارة أمن مركزي تحمل 5 آلاف جندي أمن مركزي أثناء أداء الأقباط لصلاتهم".

أما محامي البابا شنودة رمسيس النجار فقد أكد أن الكنيسة تعتزم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد محافظ الجيزة، عقب انتهاء التحقيقات التي تجريها النيابة العامة عن الحادث، مشيراً إلى أن الكنيسة ستوجه إلى المحافظ تهمة استعمال صفته الوظيفية للبطش بالأقباط.

يُذكر أن قانون دور العبادة الموحد، المجمد حالياً، ظل مطلباً أساسياً للمسيحيين في مصر طوال العقد الماضي، وقدمه النائب البرلماني محمد جويلي في الدورة البرلمانية 2005، ثم تقدم به المجلس القومي لحقوق الإنسان مرة أخرى في 2007 لمناقشته وإقراره، وتمت الموافقة من قبل البرلمان على طرحه للمناقشة، لكن تم تأجيله مجدداً.

وبناء دور العبادة لغير المسلمين يتم وفقاً لما يعرف بـ"المرسوم الهمايوني" الصادر في فترة الحكم العثماني علم 1856، ويقضي ألا يتم بناؤها إلا بمرسوم رئاسي، وهو ما تم تغييره في 2007، إلاّ أنه لا تبنى دور عبادة للمسيحيين إلا بموافقة المحافظ الذي تقع دور العبادة المراد بناؤها في نطاق سلطاته.

back to top