سورية... القرار الشجاع!
لم تعد هناك إمكانية بالنسبة إلى الشعب السوري لأن يتراجع بعد أن قطع أكثر من نصف الطريق، وبعد أن أصبحت «الثورة» المتأججة تعم البلاد والعباد، فالشعار غدا ذلك الذي قاله الشاعر الفلسطيني الكبير معين بسيسو, رحمه الله, في إحدى أناشيده الثورية: «أنت إن قُلتها مُتّ... وإن لم تقلها مُت... فَقُلْها ومُتْ»، وحقيقة إن ما يعم سورية فاجأ حتى أهلها فَكَسْرُ جدار الخوف المتبقي منذ مذبحة حماة الشهيرة لم يكن متوقعاً، وإزاحة تمثال حافظ الأسد وإسقاطه في ساحة الساعة, التي غدت ساحة الحرية, في حمص جاءت كإزاحة تمثال صدام حسين من ساحة الفردوس في بغداد... والأيام قادمة وسنرى.لم يكن من الممكن أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه لو أن بشار الأسد تصرف بحكمة، ولم يرضخ لمجموعة المستفيدين من بطانته الذين نصحوه باستخدام القوة المفرطة منذ اللحظة الأولى، ولم يتم اختراع كذبة التدخل الخارجي والعصابات المسلحة «التي دأبت على إطلاق النيران مرة في اتجاه المتظاهرين ومرة أخرى في اتجاه رجال الأمن ورجال الحزب وشبيبة الثورة»، ولم يتم ترك الأمور لذوي الرؤوس الحامية الذين لا يؤمنون بقدرة هذا الشعب العظيم, الذي هو شعب الثورات والعطاءات وشعب إطلاق الدعوة القومية, على تحدي الضغط والخوف والقمع والانتفاض في وجه القهر والاستبداد والعبودية.الآن فات القطار وأصبح مستحيلا استعادة لحظة لن تعود, هي لحظة بداية الأحداث في درعا, ولذلك وحتى لا تضيع لحظة سانحة أخرى ويستمر الشوط حتى نهايته، فإن على الرئيس بشار الأسد أن يتدارك الأمور بأقل الخسائر، وأن يستجيب لرغبة شعبه ويجري إصلاحات جذرية سريعة أقلها تغيير كل هيكلية الدولة، وإقصاء هذا الحزب المترهل عن مواقع المسؤولية، وإبعاد كل البطانة التي أكلت لحم البلاد وامتصت دماء العباد، فهذا هو المخرج المتبقي، وهذا هو الذي يجنب سورية العظيمة إما التقسيم أو التحول إلى أفغانستان ثانية، وإما انقلاب عسكري دموي سيكون الثمن المترتب عليه فادحاً جداً.
قبل ثلاثة أيام استدعى وزير الخارجية وليد المعلم السفراء العرب والأجانب لـ»يبشرهم» بأن هذا الذي يجري في سورية عصيان مدني مسلح، وهذا لا يمكن فهمه إلا على أنه تبرير مسبق لمذبحة قادمة إن هي وقعت, والواضح حتى الآن أنها ستقع, فإن أقل النتائج سوءاً سيكون التقسيم الذي هو أم الكبائر والذي سيأتي بمنزلة هدية لإسرائيل التي بقيت تعمل على تحويل الوطن العربي إلى مجموعة من الدول الاثنية والمذهبية المتحاربة. لم يعد هناك بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه إلا أن يخطو بشار الأسد خطوة شجاعة لا يتخذها إلا القادة العظماء، وهي إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فحكم تقوم دعائمه على جماجم الناس لا بارك الله فيه من حكم، والحفاظ على سورية وإبعادها عن حرب دموية قد تستمر عشرات الأعوام وعن خيار التقسيم المُلبَّي للرغبات الإسرائيلية هو ما يمكن أن يخلَّد الرئيس السوري كأحد أهم من مرّوا من عظماء على هذا البلد العظيم.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة