أردنيٌّ وعربيٌّ!
في مثل يوم أمس الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1971 حلت الذكرى الأربعين لاستشهاد رئيس الوزراء الأردني الأسبق، فقد كان وصفي التل يرتقي الأدراج الخارجية لفندق شيراتون القاهرة متجهاً إلى مدخل هذا الفندق، بعد جلسة عاصفة لوزراء الدفاع العرب كانت انعقدت في مبنى الجامعة العربية، عندما انطلقت نحو صدره رصاصات مسدس كان صاحبه يكمن لرجل أمضى ما سبق من عمره في سبيل القضية الفلسطينية.كان وصفي التل، رحمه الله، قبل أن يسقط على أدراج هذا الفندق مضرجاً بدمه، يتأبط ملفّاً يتضمن خطة عسكرية لتحرير فلسطين، كان قد جاء بها من عمان ليعرضها على وزراء الدفاع العرب لمناقشتها وإقرارها، وكانت هذه الخطة تنص على ضرورة توحيد جبهات المواجهة مع إسرائيل الثلاث، الجبهة المصرية والجبهة الأردنية والجبهة السورية، وأن تُكوَّن معاً جبهة عربية واحدة مساندة لجبهة فلسطينية داخلية لاستنزاف إسرائيل من الداخل بمقاومة فدائية مسلحة وبتحركات شعبية متواصلة تمتص جزءاً رئيسياً من جهد الجيش الإسرائيلي.
وبالطبع فقد ثبت من خلال التحقيقات الأمنية المصرية أن القتلة ينتمون إلى إحدى المنظمات الفلسطينية، وأن السبب المعلن لارتكابهم هذه الجريمة يتكئ على خلفية أحداث سبتمبر عام 1970، في حين أن التدقيق في الأمر في ضوء استحقاقات تلك الفترة واعتبارات ما كان يتضمنه الملف الذي كان يتأبطه وصفي التل، الذي اختلط الحبر الذي كُتب به بدمائه الزكية، يثبت أن اليد التي أطلقت الرصاص يد عربية، أما المخططون والمستفيدون فهم بلا أدنى شك الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.والآن وبعد أربعين عاماً ويوم واحد، ودفعاً للظلم الذي ألصقَ بالأردن وألصقَ بشهيده الكبير لابد من القول وبأعلى الصوت إن كل الروايات السابقة عن وصفي التل كانت كاذبة وملفقة، وكانت تستهدف الأردن ومواقفه لحسابات لا هي فلسطينية ولا عربية، وأن الحقيقة التي يجب أن تقال، حتى وإن كانت في وقت متأخر، هي أن هذا الرجل كان قد سبق المقاومة المعاصرة بنحو سبعة عشر عاماً في القتال في منطقة الجليل كقائد لفيلق اليرموك في جيش الإنقاذ، وأنه بقي إلى أن لفظ أنفاسه الطاهرة على درج فندق الشيراتون في القاهرة في ساعات ما بعد ظهر يوم الثامن والعشرين من نوفمبر 1971، وهو على قناعة بأنه لا تحرير لفلسطين إلا بالقوة المسلحة.لقد حاول المتآمرون الذين شوهوا مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية إظهار وصفي التل بأنه إقليمي أردني متعصب، وأنه معادٍ لفلسطين والشعب الفلسطيني، وهذا ظلم ما بعده ظلم، والحقيقة أن هم هذا الرجل الوحيد كان القضية الفلسطينية، وأنه بقدر ما كان أردنياً صادقاً كان عروبياً ملتزماً، وكان يعتبر أن الهوية النضالية لأي عربي هي الهوية الفلسطينية، ولكنه كان يصر على أن تكون المقاومة داخل فلسطين، وأن مراكز تمويلها وتموينها يجب أن تكون كقواعد حلفية في دول الطوق العربية.