منذ بداية مسيرة مجلس التعاون سنة 1981، كانت الأسئلة المطروحة حول أغراض ذلك المجلس وأهدافه. لم تكن هناك معارضة لمبدأ التعاون بالتأكيد، ولربما الوحدة، ولكن الشك كل الشك كان يقع في إطار ذلك التعاون، وهل هو تعاون حكومات فقط على شعوبها لمنعها من الحراك الإصلاحي، وكبت جماحها نحو التغيير السلمي، أم أنه، وهو ما يفترض أن يكون، تعاون تتلاقى فيه الشعوب وتتفاهم وتتطور وتتقدم بالتوافق مع حكوماتها.

Ad

على مدى ثلاثين سنة كانت إنجازات المجلس دون طموح الشعوب، سادتها خلافات بينية، وزعل، وزعل مضاد بين قادة المجلس دون أن يستوعب الناس ما يجري، بل إن مجرد إنشاء هيئة «شبه» شعبية من ممثلين عن المجالس أغلبها غير منتخب لاقى الكثير من التردد والتلكؤ وظلت تلك الهيئة أيضا خاوية على عروشها.

ولعل وجود المجلس بحد ذاته، كحد أدنى، يعد أمراً إيجابياً، على أمل أن يتطور هيكلياً ولوجستياً من خلال إصلاحات رئيسية في دول المجلس، والتحرك في مسارات ديمقراطية حقيقية، فبدون إحداث إصلاحات ديمقراطية مباشرة في كيانات دول المجلس، فإنه لن يكون إلّا جسماً معطلاً، معيقاً، ومعاقاً عن الفعل. ولسنا بغافلين عن «الصحوة المجلسية» للتفاعل مع الحراك الشعبي العربي، محاولة من دول المجلس الحفاظ على الوضع القائم من جهة، والسعي إلى ملء الفراغ السياسي الناتج عن المتغيرات الحادة في المنطقة العربية من جهة أخرى. بمجرد جردة بسيطة للمواقف التي اتخذتها دول المجلس، فرادى أم مجتمعة، تجاه تفاصيل الربيع العربي يكشف حجم المتناقضات من تونس إلى مصر إلى البحرين إلى ليبيا إلى اليمن إلى سورية وغيرها، ربما كان آخر تلك المواقف إعلان قطر انسحابها من المبادرة اليمنية، ومن غير المفهوم لا سياسياً ولا دبلوماسياً معنى ذلك الانسحاب، ولكنه يعكس فقط حالة القلق والتوتر داخل مجلس التعاون.

في هذا الإطار المتوتر والقلق جاء إعلان غير مسبوق برغبة المجلس في ضم الأردن والمغرب إلى المجلس، ومن ثم تعامل الكثيرون مع الأمر بجدية وكأن الدولتين على اعتاب أبواب المجلس، وبما أنه بات مؤكداً ان ثلاث دول على الأقل رافضة ولا أقول غير متحمسة، فإنه من الأفضل التعامل مع الموضوع برمته على أساس أنه ردة فعل قلقة على تداعيات الأوضاع في المنطقة. قد تكون رسالة لإيران وهي التي تعاني داخلياً كذلك، ما دفعها إلى الإعلان قبل أيام عن بدء تشغيل مفاعل بوشهر، كما أنها قد تكون رسالة لشعوب المجلس، أو قد تكون رسالة للخارج الغربي خشية من تفاعلات وتداعيات الضغوط القادمة. أيا كان الهدف من تلك الرسالة، فإنها في أحسن الأحوال هي رسالة غير مكتملة وتحتاج إلى كتاب شفرة لفك رموزها، وفي أسوأ الأحوال هي رسالة فرقة داخل مجلس التعاون، إذ قد تؤدي إلى تفكيك المجلس جملة وتفصيلاً.

أميل إلى عدم إعطاء الإعلان أكبر من حجمه، فالطريق طويل لتحقيقه وهناك حاجة إلى نسف المجلس وإعادة بنائه من جديد، والبحث عن اسم للمجلس الجديد مثل «مجلس التعاون ومن يعز عليهم» أو مجلس الشام والمغرب والخليج واختصاره «شمخ»، وبما أن المجلس برؤيته وثوبه الجديد هو عبارة عن تجمع لأنظمة الحكم الوراثي، فلماذا لم يتم التفكير بضم سورية وهي بالعهد الجديد أي منذ عام 2000 قد أصبحت جمهورية ملكية وراثية بامتياز، ولديها مؤهلات كافية كما يبدو.

هناك فرصة متاحة وجدية لدول مجلس التعاون أن تصبح أكثر قوة وذلك بالانفتاح على شعوبها، والتعاون معها لا التعاون عليها من خلال أفكار مرتبكة تدعو للقلق أكثر مما تدعو للارتياح.

مازال هناك وقت متاح للتجاوب مع استحقاقات التغيير فشعوب الخليج في اللحظة الراهنة تريد الإصلاح وعسى ألا تفوّت الفرصة ويصبح الشعب مريداً لأشياء أخرى.