منذ زمن ليس ببعيد، كانت مدينة اللد الإسرائيلية، المجاورة لمركز تل أبيب التجاري، مكاناً يعمّه الهدوء. دمج سكّانها العرب البالغ عددهم 20 ألفاً- يعيشون مع 45 ألف يهودي- العبرية بلغتهم العربية، صوّتوا للأحزاب اليهودية، ووصفوا أنفسهم بالإسرائيليين، فبعد أن تقلص عدد السكان العرب فيها إلى حد كبير في حرب عام 1948 التي سجّلت ولادة إسرائيل، ازداد مجدداً متخطياً العدد الإجمالي السابق.   

Ad

لكن الهدوء لم يصمد طويلاً. نقل القادة الإسرائيليون هذا الشهر مطلبهم بأن يعترف العالم والفلسطينيون بدولتهم كدولة يهودية على وجه التحديد في مقابل تمديد تجميد بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، إلى مدينة اللد. كذلك اقترح الوزراء "تعزيز" سكّان المدينة عبر إحضار المزيد من اليهود وصادقوا على قرار أوسع يفرض على المواطنين الجدد أداء قسم ولاء بقبول إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية في ذلك الصدد. هذا وتستهدف تدابير أخرى عرب إسرائيل، بما فيها حظر تعليم الرواية الفلسطينية للقضية بأن إسرائيل طردت معظم العرب في حرب الاستقلال.

من جهتهم، يخشى الإسرائيليون الليبراليون أن تُصدّر هذه الإجراءات الصراع العربي الإسرائيلي، الذي اقتصر بشكل أساسي على الأراضي التي احتلتها إسرائيل خارج خط التقسيم الذي تحدد في عام 1948، إلى الأراضي الإسرائيلية. فضلاً عن الحواجز النفسية، أضافت السلطات في اللد حواجز مادية، إذ انتهت هذا العام من بناء جدار بارتفاع ثلاثة أمتار لفصل الأحياء اليهودية عن تلك العربية. وبينما تُطوَّق الضواحي العربية لمنع تمددها، يشجّع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على مواصلة بناء المستوطنات اليهودية بحماسة.

في هذا الإطار، يؤّيد وزير خارجيته، أفيغدور ليبرمان، الذي ينتمي إلى أقصى اليمين في التحالف، بناء أحياء لأسر الجنود في المدينة، ويعطي وزير الداخلية المتعصّب على حد سواء، إيلي يشاي، الذي يتزعم حزب شاس الأرثوذوكسي المتطرف، رخص بناء لليهود المتديّنين. في المقابل، يجري بناء سلسلة من العقارات المحصّنة ببوابات في أنحاء المدينة والمخصصة للصهاينة المتدينين. يقول حائيم حداد، كبير الحاخامات في المدينة وأول المنتقلين إلى عقار جديد: "ستضمن هذه الحواجز الحفاظ على طابع اللد اليهودي".

في المقابل، المنازل العربية القديمة مهدّدة بالتدمير. تقوم الدبابات الإسرائيلية من حين إلى آخر بهدم بعض المنازل، ما يشدد على افتقار العرب إلى الحصانة. تقدّر دراسة أجرتها مجموعة إسرائيلية ليبرالية تُدعى "شاتيل" بأن 70 في المئة من المنازل العربية في اللد لا تتمتع بوضع قانوني، إذ يتوقف الكثير من الخدمات التي تقدّمها البلديات، مثل الإنارة في الشارع وإزالة النفايات، عند حدود الضواحي العربية. كذلك على بعد ستين كيلومتراً من تل أبيب، أثرى المدن الإسرائيلية، تفيض مياه الصرف الصحي في شوارع  بعض الأحياء العربية في اللد.

أما الأحياء التي كانت مدمجة في السابق فهي بصدد الانفصال، فبات حي رامات إشكول السكني، الذي بُني للمهاجرين اليهود على أنقاض مدينة اللد العربية القديمة، التي جُرفت بعد حرب عام 1948، من الأحياء الفقيرة والقذرة اليوم، ومعظم سكّانه من العرب. فكومات النفايات تجعله أكثر ضراوةً من مخيّمات اللاجئين في غزة، المنطقة الفلسطينية المحاصرة والتي تقع على بعد 35 كم إلى الجنوب؛ والعصابات تجوب شوارعه؛ والمركز الاجتماعي المحلي فيه أُغلق طوال عقد من الزمن  تقريباً، على حد قول آخر موظفيه، لأن الوكالة اليهودية، إحدى منظمات الرفاه، لا تريده أن "يفيض بالعرب".

من جهة، الجريمة منتشرة بشكل واسع، فقد كشفت الشرطة عن مخازن سرية من البنادق والقنابل، يوجهها عرب اللد، في الوقت الراهن، إلى أحدهم الآخر عموماً، لخوض مواجهات بين العشائر وتنفيذ جرائم شرف. لكن اليهود يخشون أن ينقلبوا عليهم في يوم ما. فبعد عملية القتل الثامنة في اللد لهذا العام، قال نتنياهو إنه سيمنع المدينة من التحول إلى "غرب أميركي متوحّش" في إسرائيل. لذلك أرسل لفترة وجيزة حرس الحدود، قوات الدرك في إسرائيل، مجدّداً بذلك مخاوف العرب من تجريدهم من ممتلكاتهم مرةً أخرى. يُذكَر أن قوة الشرطة في اللد المؤلّفة من 120 عنصراً لا تتضمن مسلمين.    

من جهة أخرى، يعكس التوتر والخوف على نحو متزايد الحال في الضفة الغربية. يطلق المواطنون العرب على الوافدين الجدد من اليهود اسم المستوطنين، ويعتقدون أيضاً أن البلدية تحرمهم من الخدمات لدفعهم خفيةً إلى المغادرة. في المقابل، يقول اليهود إن "العرب" يشكّلون تهديداً أمنياً لأنهم يستطيعون إطلاق قذائف الهاون على الطائرات التي تحط بمطار بن غوريون المجاور. لذلك يقترح البعض تشكيل مجموعات من المتقصين الفوريين. في هذا السياق، تشير إحدى النساء الإسرائيليات المتشددات التي نقلت لتوّها أسرتها المؤلفة من ستة أفراد إلى كتلة سكنية جديدة تضم قوميين ومتدينين: "أشعر بأمان أكبر في قدومين (مستوطنة قومية-دينية في الضفة الغربية)".  

فضلاً عن ذلك، تعكس نماذج التصويت الانقسام. بات العرب الذين صوّتوا في السابق للأحزاب التي يتزعمها يهود يصوّتون للأحزاب العربية، أو لا يصوّتون مطلقاً. يزداد عدد الذين يميلون إلى مجموعات إسلامية تملأ الفراغ الذي خلفته البلدية بواسطة خدماتها الخاصة. أما الأكثر تطرفاً فيعتبرون التعاون مع المؤسسات الحكومية كفراً. ينجذب اليهود أيضاً بأعداد متزايدة إلى الأحزاب اليمينية المتشددة، ففي انتخابات عام 2006، نال حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان 22% من الأصوات، ضعف معدله الوطني.

في هذا العالم المتعدد الأقطاب، يناضل مؤيدو التعددية الثقافية لإسماع صوتهم. في هذا الإطار، يذكر أفيف واسرمان، المؤسس اليهودي لـ"مؤسسة اللد" التي تحاول تنظيم مهرجان للموسيقى الأندلسية تجمع بين ألحان يهودية ومسيحية وإسلامية، في وقت لاحق من هذا الشهر: "اليوم يقول القادة المسلمون المعتدلون الذين كنّا على ارتباط بهم في الماضي، إنه من الصعب التحاور". وبينما تقول الكنس اليهودية والكنيسة إن أبوابها ستبقي مفتوحة لهذا الحدث، يفضل إمام مسجد العمري في اللد إبقاء بابه موصداً.