أبو تمام صنعته وبديعه

نشر في 24-10-2010
آخر تحديث 24-10-2010 | 00:01
 آدم يوسف أمتي هل لك بين الأمم

منبر للسيف أو للقلم

أتلقاك وطرفي مطرق

خجلاً من أمسك المنصرم.

عمر أبوريشة

في حفل العشاء الأخير في دورة خليل مطران وماك دزدار في العاصمة البوسنية سراييفو تسرّب خبر بين الحضور بشأن الدورة المقبلة لمؤسسة البابطين، مفاده أن المؤسسة ستحتفي بالشاعرين أبي تمام وعمر أبي ريشة، وستقام الاحتفالية عام 2012 في العاصمة السورية دمشق.

تداعت إلى ذهني حينها خواطر عديدة، وعاد بي التاريخ قروناً إلى الوراء، هل حقاً سنحتفي بأبي تمام، ونجد دواوينه وحياته، وتصنيفاته، ومؤلفاته الأخرى في طبعات جديدة وفاخرة بين أيدينا؟ هل ستفعل المؤسسة ذلك؟ هل سنحتفي بأبي تمام، إبداعه، وبديعه، و»صنعته» وغريب ملَكته وبديع تصويره؟ ولكن ما الذي يربط بين أبي تمام وعمر أبي ريشة؟ السؤال الذي أطلقه أحدهم من زاوية بعيدة، وسط «كركرة» الملاعق، وضحكات صحون العشاء. لم يلتفت أحد للإجابة. ربما لبساطة السؤال. فأبو تمام ولد في إحدى قرى حوران بسورية، وانتقل مع أبيه لاحقاً إلى دمشق. ومعروف في التاريخ علاقته بالخليفة العباسي المعتصم بالله.

أما أبوريشة فهو شاعر الشام الكبير، عروبي وقومي بسجيته، له حضور وتقدير لافت في جميع الأقطار العربية، وهو كذلك الدبلوماسي والمثقف الذي تلقى تعليمه في أرقى الجامعات العالمية ومثل بلاده خير تمثيل.

لقد كان خبراً ساراً ما توارد بشأن إقامة هذه الدورة. وغني عن القول الجهد الكبير الذي تبذله مؤسسة البابطين لإقامة مثل هذه الدورات. فما نراه الآن ليس مجهوداً يمكن أن تختص به مؤسسة تمتلك المال ولديها موظفون أكفاء جلهم من المثقفين والباحثين، كما هو الحال مع البابطين، وإنما مجهود يمكن أن يقوم على كاهل وزارات حكومية وجيش من الموظفين. فكل الشكر لهؤلاء الرائعين الذين يتحملون عبئاً ثقافياً ومعرفياً كبيراً كهذا.

في دورة خليل مطران وماك دزدار، علمت أن عدد المدعوين يفوق 400 شخص. من بلدان ولغات مختلفة. يجمعهم حب الأدب، وهم البحث العلمي. فندوة تحمل عنوان حوار الحضارات لابد أن تتداخل فيها معارف ومحاور شتى، السياسة إلى جانب الاقتصاد والثقافة، وبالطبع ثورة «الميديا» وما يرافقها من تطوّر سريع. أما الدراسات الأدبية ففيها الكثير، خصوصاً إذا كانت تختص بشاعر كبير كخليل مطران.

إنها فرصة سانحة للتعرف على الشاعر البوسني ماك دزدار، وبالرغم من أن أغلب الأبحاث المتعلقة به قدمت باللغة البوسنية، فإن توافر الترجمة الفورية أتاح لنا التقاط كثير من جوانب هذا الشاعر الذي توفي أوائل السبعينيات، وجاء شعره معبأ بالتجديد والترميز اللغوي، الأمر الذي أشار إليه باحثون ترجموا أعماله. فقد كانوا يجدون صعوبة في نقل قصائده إلى اللغة العربية لأن الأسلوب الفني عصي، وإشاراته اللغوية صعبة المراس في لغتها الأم. فما بالك بنقلها إلى لغة أخرى.

كانت العاصمة سراييفو تتدثر بثوب من الرذاذ الخفيف، حين هبطت الطائرة في مطار سراييفو. هل يحمي الرذاذ من صقيع البرد؟ لست أدري. أما الفريق التنظيمي للمؤسسة فهو كخلية نحل منذ هبوط الطائرة يستقبلك أحدهم وفي يده كشف بأسماء المدعوين، وبلمحة سريعة تأتيك الإجابة أنت في فندق هوليوود، والحافلة في انتظارك. يبدو المدعوون على شوق لرؤية شيء من ملامح هذه العاصمة الفتية التي اشتهرت بالحرب، وتلقفتها المدافع، ونيران التطهير العرقي. كان الظلام حائلاً دون رؤية ما نطمح إليه. لعل في اليوم الثاني للاحتفالية وبه ساعات للاستراحة فرصة للتجول في العاصمة. من يدري ربما لا تتاح لنا فرصة أخرى لزيارتها.

back to top