القائد من يواجه جمهوره

الأهم من قدرة القائد على إخراج جمهوره إلى الشارع هو قدرته على مقاومة الانجراف خلفه إذا استدعى الأمر، ومصارحته بالقول والفعل حتى إن كان «مو وقته»، فما «يجب» أن يسمعه الجمهور أهم مما «يحب» أن يسمعه، والقائد يقول ما «يجب» أن يقال مهما بلغت كلفته وليس بالضرورة كل ما «يمكن» أن يقال، وقد مارس البعض هذا الدور في الأزمة الأخيرة، ولولاهم لاختلفت صورة التحرك الشعبي المصاحب لها ونتائجه.

أولهم الدكتور احمد الخطيب الذي صرح مبكراً بأن «الأمور الاستثنائية لا تعالج بطرق استثنائية، والخطأ لا يعالج بخطأ»، وقال «لا يهم رأينا في النواب الذين تم الاعتداء عليهم... الاعتداء عليهم هو اعتداء علينا جميعاً»، في رسالة للتيار الليبرالي والقواعد الحضرية كان عليهم أن يسمعوها من رمز بمكانته، وانتقد رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي– المحصن واقعياً ضد النقد- لعدم قيامه بمسؤولياته وبقائه أسيراً لمن انتخبه رئيساً.

يأتي بعده النائبان السابقان عبدالله النيباري ومشاري العصيمي، فالأول وضع حداً للطرح الهزيل عن السمع والطاعة وولي الأمر حين قال»يجب التمييز بين التقدير الاجتماعي للأمير والاحترام تأدباً، وبين قواعد وأسس النظام السياسي كما رسمه الدستور»، كما انتقد الانتخابات الفرعية المجرمة في تجمع ساحة الصفاة أمام خريجيها ومؤيديها. أما العصيمي فقد تصدى لمحاولات إضفاء الشرعية القانونية على إجراءات الحكومة القمعية وهو المحامي المخضرم ورئيس جمعية المحامين الأسبق، وتصدر لواء الدفاع عن كرامة الناس وهو أحد رموز دائرة الفيحاء والنزهة سابقاً بينما كان البعض «يتكتك» حركات الدواوين والبيانات المفضوحة لإحراج نواب الدائرة.

وفي خطابها الذي وجهته إلى سمو الأمير من المجلس ذكّرت النائبة أسيل العوضي الناس بأن بالإمكان المعارضة بموضوعية، كما سيصعب ثباتها أمام حملة التجريح القذرة ضدها من مهمة محاربي المرأة في الانتخابات القادمة، ووجود النائب صالح الملا معها بصدارة التحرك رسالة لمدعي الليبرالية بأن المبادئ أسمى من الاختلافات الفكرية. أما النائب مرزوق الغانم فكان نجماً بتحركاته خلف الكواليس وكلامه في «لقاء الراي»، وخسر كل من راهن على أنه سينكسر أمام ضغوط الغرفة والرياضة والدائرة الثانية. بشكل عام، كان أداء كتلة العمل الوطني مثار إعجاب قد آتي عليه في مقال منفصل.

أخيراً، سيخلد التاريخ الدور القيادي الذي لعبه النائب حسن جوهر، ليس بتصويته لعدم التعاون مع رئيس الوزراء ولكن لحديثه عن اختطاف الخطاب الشيعي في «لقاء الراي» في رسالة إلى ناخبي الدائرة الأولى من الشيعة، وصدورها منه لا من غيره أعطاها قوة التأثير، ناهيك عن ثباته أمام الحملة ضده التي جيرت لها الأموال والأقلام والألسنة.

بالتأكيد كان للتحرك الشعبي قادة كثر على جميع المستويات، ولكن كان قدر المذكورين هنا أن يكون قادة بمواجهة قواعدهم قبل غيرها، فكان لهم الأثر الفاعل في ترشيد التحرك وتحديد رسالته، وإلا لكان رهينة تهور وشطحات البعض، وتكفي مراجعة التصريحات المندفعة وغير المسؤولة من قبل البعض كالنائبين وليد الطبطبائي ومسلم البراك ود. عبيد الوسمي لمعرفة إلى أين كانت ستقود التحرك لولا التوازن الذي أضفاه المذكورون في المقال.