«كيكة» التنمية... دسمة وشهية!
من الواضح أن المعركة السياسية الشرسة القادمة ستكون على بوابة تمويل مشاريع التنمية وضخها بمبالغ مليارية ضخمة جداً، ويبدو أن البنوك المحلية وبعض الفئات التجارية قد تحركت بشكل فوري وسريع لصد أي قنوات أخرى لتمويل مشاريع التنمية خارج إطار النظام المصرفي التقليدي، خصوصاً بعد تقديم اقتراحين بقانونين للإشراف على التمويل النقدي للشركات المنفذة من قبل الدولة سواء عبر الصندوق الكويتي وزيادة رأسماله أو من خلال إنشاء صندوق جديد برأسمال عشرة مليارات دينار.وقبل الخوض في الجانب الفني لآلية تمويل أكثر من أربعمئة مشروع تنموي كبير لابد من الوقوف على بعض الأساسيات السياسية التي ستفرض نفسها على طاولة اتخاذ القرار، خصوصاً ما يتعلق بدور القطاع الخاص في تحديد ملامح مهمة في مستقبل الكويت السياسي والاقتصادي.
فحزمة قوانين الخصخصة والاستثمار الأجنبي ونظام الـBOT من جانب، والوقوف ضد ما يسمى القرارات الشعبية مثل زيادة الرواتب وزيادة علاوات الأبناء وتعطيل قانون إلغاء فوائد القروض من جانب آخر، كانت تحمل مؤشرات ميل الحكومة وبمباركة عدد من النواب إلى ترجيح كفة القطاع الخاص. وكان البديل الذي لجأت إليه الأغلبية النيابية، التي خسرت تقريباً كل الجولات البرلمانية، في تقديم الدعم للشرائح المجتمعية من ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة من خلال إيجاد موطئ قدم لهم في المشاريع الجديدة ومن داخل إطار التشريعات الجديدة الموجهة لخدمة القطاع الخاص، وفي مقدمة الأفكار التي تم إقرارها إنشاء شركات مساهمة يمتلك الشعب الكويتي 50 في المئة من أسهمها وتكون لها فرصة النجاح عبر مشاركتها في تنفيذ المشاريع الكبرى، بما في ذلك إنشاء المدن الإسكانية والبيوت المنخفضة التكاليف ومحطات الكهرباء ومصافي النفط.ومن المؤكد أن مثل هذه الشركات الجديدة وحداثة تجربتها وعدم قدرتها على منافسة الشركات العملاقة القائمة ستصطدم بعوائق كبيرة في التمويل من البنوك، ولابد من إيجاد مصادر مالية بديلة تمكنها من القيام بهذا الدور، ومن هنا جاءت فكرة صناديق تمويل مشاريع التنمية.وبناء عليه فمن الواضح أن سياسة التوازن بين القطاع الخاص والقطاع الشعبي يجب أن تكون على المحك، ولابد من تفهم الأطراف جميعاً لهذا الواقع والإقرار بتحقيق مثل هذا التوازن وذلك للمحافظة على الاستقرار السياسي والاجتماعي. ومن الناحية الفنية، فإن المؤشرات المالية تعكس عدم قدرة البنوك القائمة بتمويل عشرات المليارات من الدنانير لمشاريع التنمية دون دعم حكومي مباشر ومن خلال الودائع طويلة الأجل تحديداً، إضافة إلى القيود الصعبة التي وضعتها هذه البنوك للإقراض التجاري بعد الانتكاسة المالية قبل ثلاث سنوات وما كشفته تلك الأزمة من الفضائح المالية وألاعيب التنفيع وبالنتيجة شل قطاع المقاولات والاستثمار في البلاد.إن المبالغ الضخمة المرصودة لمشاريع التنمية التي تمثل "كيكة عملاقة" هي في النهاية أصول مالية للدولة، وهي ثروة الشعب الكويتي وللأجيال القادمة حصة منها ومردودها يجب أن يخدم الجميع، ومن المؤكد أن تدويرها بالشكل الذي ينفع ميزانية الدولة وأن تكون لها بمنزلة إيرادات مالية طويلة المدى، مسؤولية تاريخية تنم عن حكمة، وفي نفس الوقت يجب ألا يُغْفل دور القطاع المصرفي التقليدي، ولهذا لابد من الحوار والنقاش العلمي لتحقيق توازن فعلي بين القطاع العام والقطاع الخاص وهذا ما ينص عليه الدستور، ويجب أن تناقش قوانين تمويل التنمية برحابة صدر لا بالطعن في نواياها بطريقة استباقية ومتعجلة، وفي النهاية فإن الثلاثين ملياراً التي ستنفق في السنوات الأربع القادمة بالتأكيد ستشبع الجميع بشرط ألا يحاول البعض أن يأكل حتى الانفجار!