باقون في مناجم الحكومة والمجلس
مسطرة واحدة يجب أن تقاس بها مساحة الحريات، وميزان بكفتين متوازنتين يفترض أن توزن به خفة الحرية وثقلها. هذا منطق العقل والعدل، وغير هذا فليس لدينا غير الرياء وازدواجية المواقف الانتهازية والانتقائية في إعمال حكم القانون.
لا يجوز أن نفرق بين حق السيدة فجر السعيد في انتقاد عدد من نواب المجلس مهما كان محتوى مسلسل النقد هزيلاً وساذجاً، وبين حق هؤلاء النواب أنفسهم في ممارسة حق التجمع بعد حكم المحكمة الدستورية عام 2006 ورفضهم وصاية السلطة عليهم، وبالمسطرة ذاتها وبالميزان ذاته لا يصح إقامة الجدران العازلة بين الحريات السياسية والحريات الشخصية، فنواب التزمُّت ومعهم حكومة "وين رايحين احنا وياكم" صادروا أبسط حرياتنا الشخصية وأحالوا الحياة الاجتماعية في الدولة إلى جحيم لا يطاق، فهم تدخلوا بسواعدهم وبعصي السلطة في كل صغيرة وكبيرة في حياة الأفراد، في إقامة مهرجان الفرح، في قبر الفنون وتحقيرها، وكأنها "رجس من عمل الشيطان"، حشروا أنوفهم في ما يجب ويمتنع لبسه على الفتيات، تنصتوا وترصدوا تماماً كما تفعل أجهزة أمن الدولة على البشر، وصوروا الجزر الكويتية على أنها مثل "فوكت" في تايلاند، وضعوا مراصدهم على الكتاب والفكر، وكانت أجهزة الرقابة الحكومية أداتهم وعذرهم. من حق فجر السعيد أن تنتقد، وإحالتها بجرائم أمن الدولة مسرحية مضحكة, وستنقلب إلى "تراجيديا" على الحكومة إذا حكمت المحكمة ببراءتها أو حفظت النيابة التحقيق في القضية، وعيب كبير أن تتجمع قوات الشرطة أمام دواوين بعض النواب والمواطنين لترويعهم بقانون قُضِي بعدم دستوريته، وكارثة حلت علينا حين أصبحنا مثل عمال منجم تشيلي، مقبورين في الظلام بدون أي بصيص نور. عمال المنجم بتشيلي مكثوا قرابة الشهرين في عتمة المنجم ووحشته، ونحن حُكِم علينا أن نبقى من المهد إلى اللحد في مناجم الحكومة والمجلس.