تو الناس عليها

نشر في 26-04-2011
آخر تحديث 26-04-2011 | 00:00
 حمد نايف العنزي لقيت الدعوة التي وجهها أمين عام جمعية المنبر الوطني الإسلامي البحرينية عبداللطيف الشيخ إلى ضرورة وجود اتحاد كونفدرالي يجمع دول مجلس التعاون الخليجي بسياسات خارجية واقتصادية ونفطية وأمنية واحدة، صدى طيبا عند بعض النواب في الكويت من ذوي الاتجاه السلفي، الذين بدا وكأنهم «ما صدقوا على الله» أن دعا أحد بهكذا دعوة كي يحققوا حلما طال انتظارهم له، وليصوروا لنا عبر تصريحاتهم الحماسية النعيم الذي سيتحقق لنا في ظل هذه الكونفدرالية المرتقبة!

قالوا إنها ستكون خطوة ضرورية من أجل تلبية طموحات وتطلعات الشعوب الخليجية في اقتصاد موحد وأجهزة أمنية واحدة وسياسة خارجية تعبر عن الشعوب الخليجية ككل وتجعل منها كيانا قويا، وأن العالم الآن لا مكان فيه للكيانات الصغيرة، بل للكيانات الكبيرة كالاتحاد الأوروبي، وأن في دول الخليج من القواسم المشتركة ما يجعل تحولها إلى كيان واحد أمرا يسيرا ستكون فوائده كبيرة كإصدار وثائق السفر الموحدة، ورفع القيود المفروضة بين الدول الخليجية، وإقامة المشاريع الاقتصادية العملاقة التي تخدم المنطقة بأسرها، وستجعل من دول الخليج الصغيرة رقماً صعباً في المنطقة والعالم مع وجود العديد من المقومات والإمكانات التي تمكنها من إنجاح مشروع كهذا، كاللغة والدين والعادات والتقاليد والموروث المشترك إضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز لكل دول الخليج!

والكلام «نظريا» جميل ويدعو إلى التفاؤل، لكنه للأسف تفاؤل «غير واقعي»، يعني مجرد أحلام وردية جميلة بعيدة عن الواقعية والعقلانية تأتي كردة فعل على ما ظنه البعض من تدخلات إيرانية في الأحداث البحرينية الأخيرة، أو كما يقول صاحب الدعوة عبداللطيف الشيخ: «الوحدة الخليجية ستكون رسالة قاسية لجميع المتآمرين على منطقتنا، وستسقط جميع مخططاتهم التي طالما عملوا لها على مر العصور»!

شخصياً... مُنى قلبي وروحي وفؤادي، أن يكون لدي ربع ما لدى الجماعة من خيالات وأحلام، وأن أرى الأمور بهذه البساطة والتبسيط!

يضربون لنا مثلا بالاتحاد الأوروبي ككيان قوي يريدون محاكاته واستنساخ تجربته، جميل جدا، هل يجيبني الإخوة المتحمسون للوحدة عن سبب رفض الاتحاد الأوروبي المتكرر لانضمام دول مثل تركيا وكرواتيا ومقدونيا رغم محاولاتها المستمرة للانضمام؟! الجواب هو في «أساس» هذه الوحدة، أو ما يعرف بـ»شروط كوبنهاغن» التي وضعها مجلس الاتحاد الأوروبي عام 1993، وهي كالتالي:

الشرط السياسي: على الدولة المترشحة للعضوية أن تتمتع بمؤسسات مستقلة تضمن الديمقراطية ودولة القانون وتحترم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات.

الشرط الاقتصادي: وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد على اقتصاد السوق، وقادر على التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الاتحاد.

الشرط التشريعي: على الدولة المترشحة للعضوية أن تقوم بتعديل تشريعاتها وقوانينها بما يتناسب مع التشريعات والقوانين الأوروبية التي تم وضعها وتبنيها منذ تأسيس الاتحاد.

إذن فالأمر لم يكن عند الأوروبيين مجرد حماس أو ردة فعل مرتبطة بحدث، إنهم واقعيون لا يعرفون المجاملة أبدا، وقد اشترطوا بادئ ذي بدء التوافق والتناسق في أنظمة حكم أعضائها سياسيا واقتصاديا وتشريعيا قبل الشروع بأي خطوة وحدوية، لأن من صنعوا هذه الوحدة الأوروبية رجال سياسة حقيقيون لا هواة سياسة أو رجال دين بلباس سياسي تحركهم العواطف، وتهيجهم الحماسة!

لذلك، كان من غير المنطقي وغير المعقول أن يسعى نواب منتخبون في دولة دستورية ديمقراطية كالكويت إلى الوحدة مع دول لا تزال غير دستورية، وتفتقد برلمانات حقيقية لمجرد هاجس الخوف من خطر خارجي؛ لا ننفي وجوده لكننا نعلم مدى المبالغة والتهويل الذي قامت به طائفية البعض كي تجعل منه مبررا لتطبيق حلم «الوحدة السلفية» الذي ما فتئ يداعب مخيلتهم كل لحظة وساعة!

الكونفدرالية الخليجية غير مفيدة للكويت في الوقت الحاضر، وسوف تكون آثارها سلبية علينا أكثر مما نتصور، وربما جعلتنا أضعف من حيث نريد أن نكون أقوى، فلنتمهل قليلا ولنحافظ على مكاسبنا، ولنتمنَّ للشعوب الخليجية المزيد من الديمقراطية والحريات التي لدينا، ومتى ما حدث هذا، فإننا سنكون أول الداعين إلى هذه الكونفدرالية لأنها ستصب في مصلحة الجميع حين تتطابق ظروفهم واقعا لا خيالا!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top