حال بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور، أو "يوناميد"، يدعو إلى الأسف. فعلى الرغم من حسن نواياها، تتعرض بانتظام لانتقادات منذ بداية مهمتها في يناير 2008. فقد اتُّهم جنودها وشرطيّوها، البالغ عددهم نحو 22 ألفاً والذين يشكّلون مزيجاً هجيناً من قوات حفظ سلام تعمل تحت الرعاية المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، بتسليط اهتمامهم على حماية أحدهم الآخر أكثر منه حماية سكان دارفور المهجّرين البؤساء الذين أُرسلوا للدفاع عنهم. هذا ما دفع عمال الإغاثة، وسكان دارفور، والحكومة السودانية إلى عدم الوثوق بهم، لكن على الرغم من عيوب "يوناميد"، فقد حسّنت البعثة الوضع الأمني بعض الشيء أقلّه في أبرز مدينتين. غير أن البعثة المسؤولة عن حفظ السلام تواجه اليوم خياراً قد يفقدها آخر ما تبقى من مصداقيتها.  

Ad

اندلع في أواخر الشهر الفائت قتال في كالما، مخيم واسع للنازحين يقع بالقرب من مدينة نيالا جنوب دارفور، ويعيش فيه أكثر من 100 ألف نازح غاضب، أكثرهم ضحايا سابقون للجنجاويد، الميليشيات الدموية التي تدعمها الحكومة. نشبت أعمال العنف الأخيرة بين مؤيدين لجماعتين مختلفتين من المتمردين، فصيل من "جيش تحرير السودان" بزعامة عبدالواحد النور، و"حركة الحرية والعدالة". تقاطع الأولى الدورة الحالية من محادثات السلام في دارفور التي يرأسها القطريون في عاصمتهم الدوحة، في حين أن الثانية، عبارة عن تحالف حركات تمرد صغيرة، هي الجماعة المتمردة الوحيدة التي تحضر المحادثات مع ممثلين من الحكومة السودانية.

قُتل عدد من الأشخاص في هذه الصدامات كنتيجة مباشرة لغضب "جيش تحرير السودان" إزاء مشاركة الجماعة المنافسة لها في المفاوضات. يُشار إلى أن خمسة قادة قبليين وامرأة واحدة، جميعهم أعضاء في الجيش على ما يُعتقد، طلبوا الحماية من بعثة "يوناميد".

تصر الحكومة السودانية في الخرطوم من جهتها على تسليمهم إلى الشرطة لأنها تعتبرهم مسؤولين عن العنف في المخيم. وقد طالب الرئيس عمر البشير شخصياً بتسليم الرجال مع العلم أنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب مجازر وجرائم حرب مزعومة في دارفور.

لذلك تواجه "يوناميد" وضعاً حرجاً. فإن سلّمت قوات حفظ السلام هؤلاء الأشخاص، قد تُقوّض مهمتها المعلنة بحماية المدنيين بشكل نهائي. لا توجد بالتالي فرصة كبيرة لإجراء محاكمة عادلة للستة، وقد تعمد السلطات السودانية العديمة الرحمة إلى تعذيبهم. مع ذلك، إن رفضت طلب البشير، قد ينغّص عليها حياتها. صرح هذا الأخير: "أقول لإخواني حكام دارفور إنه من يتعدى هذه الحدود أو مهمته فقد يُطرَد في اليوم نفسه". ذكر والي جنوب دارفور المتحمس، عبدالحميد موسى كاشا، من جانبه أنه أمر "يوناميد" بطلب الإذن قبل أن تتمكن قواتها من السفر إلى منطقته. على إثر ذلك، قُطعت المساعدات عن مخيم كالما، وفر الآلاف من سكانه.

في المقابل، اجتمع رئيس "يوناميد"، إبراهيم غمباري، دبلوماسي نيجيري سلس، مع سلسلة من كبار المسؤولين السودانيين لمحاولة إيجاد حل، لكن وفقاً لتقرير سُرِّب عن الأمم المتحدة، ترفض قوات حفظ السلام تسليم الستة ما لم يتلقوا مذكرة اعتقال لائقة وضمانات بأنهم لن يُعذّبوا أو يُعدَموا.

سراب السلام المراوغ

فضلاً عن وضع "يوناميد" في موقف صعب، كشفت هذه الأحداث عن التوتر الحاصل في عملية السلام في دارفور. ترفض أبرز حركتي تمرد، "جيش تحرير السودان" و"حركة العدالة والمساواة"، المشاركة في محادثات الدوحة. في المقابل، تُعتبر "حركة الحرية والعدالة" من الأطراف المشاركة، إلا أنها أقل قوة عسكرياً من منافساتها. تأمل الحكومة السودانية بالتالي أن تتمكن من نيل الفضل لتوصلها إلى اتفاق معها في أكتوبر، وذلك عبر إشراك جماعات منتقاة من المجتمع المدني في دارفور في المحادثات. كذلك تأمل أن تجد جماعات التمرد الأخرى نفسها مضطرة إلى السير على خُطى هذه الأخيرة.

لكن "جيش تحرير السودان" و"حركة العدالة والمساواة" يخشيان مبادرة السلام، إذ ليس لأيٍّ منهما مصلحة في توقيع اتفاق في الوقت الراهن، لكن في يناير، سيصوت الجنوبيون إن كانوا يريدون لمنطقتهم الانفصال والقيام كبلد مستقل حديثاً، وذلك كجزء من اتفاق أنهى حرباً أهلية منفصلة بين شمال السودان وجنوبه في عام 2005. فإن صوّتوا لمصلحة ذلك كما هو متوقّع، سيؤدي المتمرّدون في دارفور حينئذ دوراً أكبر في إيجاد دولة سودانية أصغر وأكثر انكماشاً، ولهذا السبب قرروا التريث في الوقت الراهن.