قد يظن البعض، أن عنوان هذا المقال ردةٌ مني وتراجعٌ ، مقارنةً بما كتبته حتى الآن منذ مارس الماضي 2010، عن الانتخابات التشريعية العراقية، وعن الاحتقان السياسي العراقي، وأضرار هذا الاحتقان في مسيرة الديمقراطية العراقية الوليدة. ولكن ليس في الأمر ردةٌ ولا تراجعُ، إنما هي مراجعة– كشأني دائماً– وتقليب لأوجه الحقيقة، ومحاولة إخراج قطرات ماء باردة من رمال هذه الصحراء، في هذا الهجير الملتهب.
أمل المخلصين والمحبين: ينتظر كل المخلصين العراقيين، وكذلك ينتظر محبو العراق من العرب والعجم في الشرق والغرب، أن ينتهي الاحتقان السياسي العراقي الحالي، ويتم تأليف الحكومة العراقية، لكي تستمر المسيرة الديمقراطية العراقية إلى الأمام، ولا تتوقف، أو تتراجع إلى الخلف، ولا يصير تدمير الديمقراطية بآليات ديمقراطية كصناديق الاقتراع. وينتهي هذا الجدل السياسي البيزنطي العراقي الذي لا ينتهي ليلاً نهاراً، في مَنْ له الحق في تولي رئاسة الحكومة العراقية، حتى أصبح العالم الخارجي يظن أن العراقيين يخضّون لبنهم في قربة مقطوعة لا قرار لها. وكلما ملؤوها بالأمنيات، والتوقعات، واقتراب الفرج السياسي، ذهبت أمنياتهم وتوقعاتهم أدراج الرياح، وابتعد الفرج السياسي العراقي أكثر فأكثر. وفي كل يوم يمر على العراق وهذا الاحتقان السياسي مازال قادماً، يقودنا خطوة إلى الأمام نحو نفق مظلم خطير، وأما الذين يُطمئِنون القراء من حين إلى آخر، بأن تأخير تشكيل الحكومة العراقية الجديدة "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، وأن بلجيكا– مثالاً لا حصراً– مكثت مدة طويلة (سنتان) دون حكومة بعد انتخابات تشريعية، وكذلك أستراليا ودول أخرى، فهذا لا يُعتبر بأي حال من الأحوال عزاءً للعراقيين ولمحبي الديمقراطية العراقية، وليس تبريراً مقبولاً للسكوت عما يجري في العراق. فلكل بلد، ولكل شعب ظروفه الخاصة. وما هو مسكوت عنه في بلجيكا وأستراليا– المثال الذي ذكره أحد كبار الكتاب السياسيين في الأسبوع الماضي تعليقاً على الاحتقان السياسي العراقي- لا يُجدي السكوت عنه في العراق، كذلك ما تمَّ في العراق، لا ينفع تعميمه على باقي بلدان وشعوب العالم، وهذا ما سبق أن قلناه في الحالة اليابانية، والكورية، والألمانية، وغيرها.إيجابيات الاحتقان السياسي! واليوم، نحاول تعزية الشعب العراقي، وتعزية أنفسنا– نحن المراقبين من خارج العراق– بأن نذكر بعض إيجابيات الاحتقان السياسي العراقي، بعد أن استعرضنا في مقالات سابقة، وعلى هذه الصفحة سلبيات هذا الاحتقان ومضاره الكثيرة على العراق كوطن ومواطنين، وكأمثولة وحيدة حية لباقي الشعوب والبلدان العربية، في السعي إلى البناء الديمقراطي، والشفافية السياسية المبتغاة.وهذا العزاء الذي نقدمه للعراقيين ولأنفسنا، يتمثل بتلمُّس الإيجابيات من جراء الاحتقان السياسي القائم الآن في العراق... ومن أهم هذه الإيجابيات:1 - أن المراقبين في الخارج– وأنا واحد منهم– عرفوا العراق الآن أكثر من الماضي، ودرسوا العراق الآن أعمق من الماضي، وحاولوا إعادة قراءة ما سبق أن قرؤوه– خصوصا ما كتبه علي الوردي وفالح عبد الجبار– عن العراق وعن التركيب الاجتماعي والثقافي للعراق. وكل هذا من أجل أن يفهموا بشكل أعمق، ما يدور الآن في العراق، ولماذا يتعثر العراق كل هذا التعثر، ويتباطأ كل هذا التباطؤ في البناء، والتعمير، وإشاعة الهدوء والاستقرار والأمن، في ربوع العراق.2 - وخارجياً، ففي هذه الفترة (مارس – سبتمبر 2010) عرف العراقيون أكثر فأكثر الأعداء والأصدقاء من دول الجوار. ومَنْ مِنْ دول وشعوب الجوار مَنْ هو حريص على مصلحة العراق، ومَنْ الساعي إلى تدمير العراق الجديد، الذي لا يخدم بعض أنظمة الحكم الدكتاتورية مِنْ دول الجوار، كما سبق أن شرحنا في مقالات سابقة على هذه الصفحة.3 - داخلياً، أصبح العراق خلال الفترة السابقة (مارس – سبتمبر 2010) حلقة حوار سياسي كبيرة وواسعة، عن برامج الأحزاب، وخطط هذه الأحزاب والنخب السياسية، ومَنْ هم أكثر فائدة للعراق ومصالحه. وأصبح سواد الشعب العراقي يعرف برامج الأحزاب السياسية التي فازت في الانتخابات أكثر من السابق، بل بأكثر مما سبق الانتخابات التشريعية ذاتها، التي أجريت أخيراً في مارس الماضي 2010.4 - وداخلياً أيضاً، تمنَّى أحد القراء- في رسالة بعث بها إلي- أن تطول فترة الاحتقان السياسي هذه، لكي تضع الزعماء السياسيين أكثر فأكثر على المحك السياسي، ولكي يعرف الشعب العراقي نُخبه السياسية أكثر فأكثر.5 - وداخلياً كذلك، تمنَّى قارئ آخر، أن تُعاد الانتخابات التشريعية السابقة التي أجريت في شهر مارس الماضي، ويراهن هذا القارئ على أن نتيجة الانتخابات التشريعية هذه المرة، ستكون أفضل من سابقتها، وستأتي بنواب أكثر صدقاً، وإخلاصاً، وثقافة، وواقعية سياسية، لأن الناخب العراقي الآن، أصبح– أكثر من أي وقت مضى– يدرك حقيقة السياسيين، وخططهم، وصدق برامجهم السياسية، وواقعية هذه البرامج. كذلك أصبح الناخب العراقي يعرف، ويدرك أكثر من السابق، من هو المسؤول الأكثر ملاءمة لإدارة الدولة.6 - ويلاحظ آخرون من القراء، أن الحكومة الحالية المؤقتة، أصبحت أكثر مسؤولية من ذي قبل، كما أصبحت تقوم بإصلاح الكثير من أخطائها السابقة بسرعة أكثر من ذي قبل، وذلك لكي تُثبت للشارع العراقي وللرأي العام العراقي، بأنها هي الأكثر كفاءة وقدرة وصدقية على الاستمرار بالحكم لخمس سنوات أخرى.7 - من الجدير بالذكر، أن الفترة السابقة (مارس- سبتمبر 2010)- وهي نصف عام تقريباً- كانت فرصة طيبة ومناسبة، لكي يتعرف مَنْ هم خارج العراق وداخله على الزوايا المظلمة، في الأداء السياسي العراقي طيلة السنوات الخمس الماضية.وأخيراً، ومع تزامن انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من العراق مع هذه الفترة من الاحتقان السياسي، فلا بُدَّ أن العراق سوف يبحث عن كيفية تدبير نفسه، بعد أن تمَّ فطامه، وانسحبت الأثداء الأميركية الدافئة بحليبها، وعسلها، وحنظلها كذلك، من أفواه العراق.* كاتب أردني
مقالات
إيجابيات الاحتقان السياسي العراقي!
22-09-2010