إنه الموت يحوم حولنا، نخافه كما نخاف شيئاً قريباً منا قد يأخذ أرواحنا ليسلمها إلى رب السموات، إنه الحقيقة الحتمية لنا جميعا، ومع ذلك نخافة بشكل كبير، وتفزعنا أخباره بأنواعها؛ الموت من جراء حادث، والموت المفاجئ، والموت على مراحل من المرض.

Ad

الموت بمجمله مخيف، ولكن هل تستحق تلك الحياة التي نعيشها أن نثقل أنفسنا وأرواحنا وأجسادنا الفانية بألم الكره والحقد، وحمل أثقال بأوزان الجبال من الغيرة والشك والحسد؟! هل تستحق أرواحنا أن نلوثها إلى هذا الحد؟

في لحظات الغضب تتملكنا مشاعر بغيضة تجعلنا نكابر ونملأ الدنيا ناراً ودخاناً من المشاعر المزعجة ونتلفظ بأقسى الألفاظ، فنؤلم من نحب ونؤلم أنفسنا بهذا الكم الهائل من الانفعال، وقد تمر أيام وأشهر ولربما سنوات ونحن نحمل هذه الندب في قلوبنا دون أن نعي أن من أغضبناه دون وجه حق قد يسرقه الموت فجأة ليتركنا نعيش عذاب الندم.

قد تعمينا الحياة بلذاتها وجمالها عن أولئك الناس الذين خلقوا في ظروف تعيسة ويعيشون حياة بائسة ويعانون فقرا مدقعا، أو فقدانا لإحدى الحواس، أو حتى أجبرتهم الإعاقات بأنواعها الجسدية والعقلية على الانعزال بسبب نظرة سخرية أو شفقة أطلقناها عليهم بغفلة منا عن مدى ألمهم، يرجع ذلك لسبب بسيط أننا لم نعش معاناتهم، وقد تجعل الصحة والغنى والراحة من الإنسان كائناً متكبراً دون أي وجه حق، لسبب بسيط أنه لم يختر أي شخص فينا مصيره، فقد لا ندرك أحياناً تلك النعم التي ننعم بها، ونطلب المزيد ونرى الجزء الفارغ من الكأس التي امتلأ نصفها.

نحن في الحياة زائلون ولسنا فيها سوى زوار... لنهايتنا يومٌ وتاريخٌ، لم نعش للخلود ورغم ذلك نعيش حياتنا وكأننا خالدون.

إن الموت الذي يسكننا جميعاً يذهب معنا في كل مكان ولكن الله يختار متى تحل مشيئته ليأخذ أمانة أرواحنا، فهل تستحق الحياة إذن هذا الكم من الغيرة والحسد والأنانية؟! ليتنا نتعلم كيف نطهر أرواحنا ولو قليلاً، ليتنا نبتعد عن التنابز بالألفاظ ومس أعراض الآخرين دون وجه حق، فعلى الرغم من كل العواقب التي أوجدها الدين فإننا ننجرف وراء البغضاء والكراهية والنميمة دون أن ندرك أننا قد نموت في أي لحظة، ولو كنا مدركين لحقيقة هذا الأمر لبتنا بشراً أفضل مما نحن عليه اليوم، ولو كان حكام ورؤساء العالم يدركون أن أرواحهم ليست محروسة من الموت لحرروا شعوبهم من تلك الدكتاتورية الحمقاء، ولرحموا شعوبهم التي نخرها الفقر وأفسد أخلاقها.

ليتنا نحسن التصرف مع الآخر حتى لا نخاف الموت، وليتنا نقدر بعضا ونحب بعضا ونحن على قيد الحياة دون أن ننتظر الموت ليمجد شعراءنا ومبدعينا وفنانينا... وليتنا... وليتنا.

قفلة:

لو أدرك الإنسان كمية النعم التي يتمتع بها لرحم غيره، كالذين حرمتهم الحياة أباً أساؤوا معاملته قبل أن يموت، وأماً نُبذت وهي على قيد الحياة في دار المسنين، وابناً مات في حادث سيارة، أو ابنة شوهتها الحرائق من قبل مهمل، ولكن كل هذا متعلق بإدراك الإنسان... فأحيانا تحتاج عملية الإدراك إلى صعقة كهربائية لدى بعض البشر حتى تصلهم الرسالة.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة