"تفاءلوا بالخير تجدوه"، لكن هذه اللوحة الفسيفسائية التي تم إلصاق مربعاتها جنباً إلى جنب في أربيل بعد ثمانية أشهر من الإخفاقات والكبوات المتلاحقة لا يمكن الاطمئنان إليها، وذلك لأن ما جرى كان عبارة عن صفقة إذعان تحت ضغط الإدارة الأميركية، ولأن هذه الصفقة أرغمت الرؤوس على أن تكون مؤتلفة، لكن القلوب بقيت مختلفة ومتورمة بالأحقاد المذهبية.

Ad

ما كان من الممكن أن يقود أياد علاوي ممثلي "العراقية" في البرلمان العراقي إلى ذلك الانسحاب الاحتجاجي، لأنه اكتشف أن ما جرى في أربيل قد يكون كواقعة ذلك التحكيم بين عمرو بن العاص و"أبوموسى الأشعري" في صفين، وأنه وتكتله ربما يقعان ضحية مناورة سياسية ثبَّت خلالها نوري المالكي تكتله في الحكم، كما ثبَّت عمرو بن العاص خاتمه في خنصره، وترك أخصامه يجترون طعم الخديعة المرة.

ولعل هناك من ظن في البداية قبل اتضاح الأمور لاحقاً أن مسعود البرزاني هو الذي وقف وراء هذه الخديعة، لكن ما يمكن الجزم به بصورة مطلقة هو أن هذا "الزعيم"، الذي هو رجل قيم ورجل مناقب، والذي هو ابن عائلة لها إرث عريق في الصدق والبعد عن التلاعب والمناورات السياسية، لا يمكن أن ينقض عهداً أو يحنث بوعد، وان غضبه بالتأكيد قد تجاوز غضب أياد علاوي ومجموعته وزملائه إزاء ما فُهِمَ على أنه تراجع عما تم الاتفاق عليه في أربيل.

ولعل ما يعزز القناعة بأن صفة المحاصصة هذه، التي أبرمت تحت ضغط الولايات المتحدة أولاً، وتحت ضغط الكتلة الكردية ثانياً، ربما لن تصمد طويلاً لأن إياد علاوي، الذي شعر بأن كل ما جرى كان بمنزلة استهداف لوحدة كتلته الهشة التماسك أساساً، لا يزال على "حَردِهِ" وأنه هدد بأنه سيتحول إلى المعارضة، ولن يشارك في حكومة نوري المالكي التي كانت ولادتها قيصرية وعسيرة.

وبهذا فإنه يمكن الجزم بأن كل هذا الذي جرى هو مجرد استراحة قصيرة بين شوطين، فصيغة المحاصصة هذه التي جرى تكريسها من غير الممكن أن تستمر، والمؤكد أن العراق سيبقى يعاني كل ما عاناه على مدى السبعة أعوام الماضية ما لم تحل محل معادلته الطائفية الكئيبة والبائسة معادلة تقوم على أساس التوجهات والبرامج السياسية، لا على أساس المذاهب والإثنيات العرقية.