ما قل ودل: بؤساً لهم كم قتلوا من أطفال المسلمين؟!

نشر في 19-09-2010
آخر تحديث 19-09-2010 | 00:01
 المستشار شفيق إمام "بؤساً لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين!" قالها سيدنا عمر بن الخطاب وهو يقف فوق منبر المسجد الذي كان يقف عليه قبله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة المنورة، قالها الفاروق عمر وعيناه تدمع من شدة الألم الذي أصابه، والندم على فعل شغل فكره طوال الليل فأورثه الهم وأطال عليه السقم طوال الليل، فقد كان سيدنا عمر هو أول من نظم العطاء من بيت المال وجعله رواتب شهرية لمن يستحقها من المسلمين، وكان يتفقد أحوال الرعية في النهار والليل، دون أن يعلم به أحد، فقد كان يسير وحده في الطرقات، فلم يكن يصاحبه عسكر أو حرس أو رفقاء، أو وسائل إعلام مقروءة أو مرئية أو مسموعة، ليعلم بنفسه أمر من حاق به ظلم أو ألمّ به كرب أو ألمت به حاجة أو أصابه مرض، فيرفع عن الناس إصرهم، ويحقق العدل بينهم، ويعيد الحق إلى صاحبه ويعين من في حاجة إلى العون من بيت المال.

- قصة عمر بن الخطاب مع امرأة

فما قصة هذه الصرخة المدوية التي أطلقها عمر من فوق منبر مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وما الذي جعله يعترف أمام الله وأمام المسلمين بالذنب الذي ارتكبه، ويستغفر إلى المولى من هذا الذنب الذي أتاه وهو يجهله؟ إنه قرار كان قد اتخذه براتب شهري لكل طفل مفطوم.

وفي جولة من جولاته في المدينة في أثناء الليل سمع عمر صوت بكاء طفل، وكلما عاد إلى المكان ذاته سمع بكاء الطفل ذاته، فتوجه إلى أمه يسألها "ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة عن البكاء"، فقالت له وهي لا تعرفه "يا عبد الله! إني أسكته عن الطعام حتى أعجل بفطامه، فيأبى ذلك فسألها: ولم تعجلين بفطامه؟! قالت "لأن عمر لا يفرض العطاء إلا للمفطوم". وفي الصباح صلى صلاة الصبح، ثم صعد إلى منبر المسجد ليقول للناس "بؤساً لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين!" واتخذ قراراً بتعديل قراره الأول ليكون العطاء لكل مولود، وليس لكل مفطوم، وأمر المنادي بأن ينادي في الناس بأن العطاء لكل مولود، حتى لا يعجلوا بفطام أولادهم.

- الحق في الحياة أول حقوق الإنسان

تلح عليَّ هذه القصة، كلما قرأت الإحصاءات التي تطالعنا بها الصحف عن الأطفال الذين يموتون كل يوم من الجوع والمرض، في كل أنحاء العالم، الذي أصبحت حقوق الإنسان فيه قضية كونية تمتد لتشمل كل بقعة في الأرض، وتتسابق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية والوطنية لتدين كل عدوان على حقوق الإنسان.

وأتساءل في كل مرة أقرأ فيها هذه الإحصاءات، وأتابع الأخبار عن المأساة التي يعيشها أطفال العالم وعلى الأخص في إفريقيا، أليس حق الحياة هو أغلى الحقوق جميعاً؟ أليس حق الحياة هو الحق الأول الذي منحه المولى عز وجل للإنسان، أليس هذا الحق هو الحق الذي لا خلاف عليه؟ وهو الحق الذي تقرره الإرادة الإلهية، قبل أن تقرره المواثيق الدولية أو الدساتير أو القوانين.

- أطفال يموتون جوعاً ومرضاً

وتدل التقديرات على أن 600 مليون شخص في العالم الإسلامي يعانون الفقر والمرض ونقص الحماية، وضآلة فرص التعليم، وأن 10 ملايين طفل يموتون سنوياً لأسباب يمكن الوقاية منها، لو ارتفعت نسب الرعاية الصحية في بلدانهم، وأن الملايين يعيشون في فقر مدقع، ولا أمل لهم في المستقبل، بعد أن سدت أمامهم كل أسباب العيش الكريم من بيت صحي أو مياه شرب صالحة أو مدارس، وأن الديون الخارجية لكثير من الدول الإسلامية، والتي تفاقمت بسبب الفساد المتفشي في هذه الدول من الطبقات الحاكمة والمسيطرة تحول دون وفاء حكوماتها بالاحتياجات الأساسية لشعوبها ولأطفالها، وأن الآلاف من الأطفال تجندهم الجماعات المتمردة في بعض الدول في النزاعات المسلحة، يموتون أو هم معرضون للموت في الحروب، وأن الآلاف من الأطفال يعاملون كرقيق جنس.

- وإن غداً لناظره قريب

أليس من حقنا بعد هذا أن نتساءل: متى يجيء اليوم الذي يقف فيه مسؤول أو حاكم أو زعيم من زعماء هذه الدول أو من قادة ميليشياتها المتحاربة، وقد اعتادوا على عقد المؤتمرات الصحفية والظهور أمام شاشات التلفزيون ليعلنوا أنهم حققوا إنجازاً إثر إنجاز في مجالات الخدمات الصحية والتعليمية وفي توفير الغذاء والملبس والمسكن للمواطنين، أو تحقيق انتصارات زائفة ضد الفصائل الأخرى، والأطفال في دولهم تموت جوعاً أو من نقص الرعاية الصحية والاجتماعية، أو في القتال الدائر بين هذه الفصائل، متى يجيء اليوم الذي يقف فيه واحد منهم وقفة الفاروق عمر بن الخطاب متحلياً بالشجاعة التي تحلى بها، ليعترف أمام شعبه وأمته بخطأ واحد وقع فيه وأراد أن يصححه، من بين أخطائه التي لا تحصى ولا تعد؟ متى يجيء اليوم الذي يقول فيه مسؤول: بؤساً لنا، كم قتلنا من أطفال المسلمين!

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top