كيفية ضبط ظاهرة الشبق السياسي العربي
- 1 -دخلت كلمة "الشبق" إلى القواميس السياسية العربية والغربية من باب الجنس، فعرفنا الشبق ملاصقاً دائماً للجنس وليس للسياسة، كما يقول عنوان هذا المقال، وراح علماء النفس والأطباء، يضعون التعريفات المختلفة لمفهوم "الشبق الجنسي"، فقال بعضهم، إن الشبق الجنسي ما هو إلا جوع جنسي محموم كالجوع إلى الطعام، يمكن إشباعه بمجرد اللقاء الجنسي، وملء المعدة بالطعام. ولكن لوحظ بعد ذلك، أن الشبق الجنسي لا ينتهي باللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة، ولكنه يظل ملتهباً حتى بعد هذا اللقاء؛ مما يعني أن الشبق ليس جوعاً عضوياً كالجوع للطعام، ينتهي عند الإشباع. ومن هنا، كان الإنسان الشبِق- ذكراً كان أم أنثى- لا يشبع من الجنس.
فالمريض بالشبق الجنسي- وهنَّ من النساء المصابات بمرض الـ(نيموفومانيا)، ومن الرجال وهم المرضى بمرض الـ(سايترياريز)- لا يستطيع الوصول للإشباع الحقيقي مهما مارس من مرات الجماع الجنسي. ويسعى للمبالغة في الممارسة الجنسية-للوصول إلى الإشباع- إلى درجات شاذة وغير مألوفة، بل قد تكون هذه الممارسات مجنونة، وسبباً في تدهور الصحة، والإصابة بأمراض مختلفة، إضافة إلى ما قد تسببه من مهالك أخلاقية ونفسية. وبذا، أصبح الشبق بالتالي، هو هوس الجنس، أو جنون الجنس، أو الجنون بالجنس. وأخيراً، إنه الجنون بعينه.- 2 -هذه المقاربة، سقناها على هذا النحو، لكي نجعل من مفهوم "الشبق السياسي"، الذي كان- وما زال- متأصلاً في الشخصية السياسية العربية في الماضي والحاضر، مفهوماً واضحاً، لاسيما إذا جنحنا بالقول، إن الجدل الذي دار بين المهاجرين والأنصار في "سقيفة بني ساعدة"، في المدينة المنورة، على الأولى بتولي الخلافة بعد رحيل الرسول عليه السلام، كان مرجعها ودافعها سياسيين. كما أن الصراع الحربي الذي نشب بين معاوية والإمام علي، كان مرده أيضاً السبب نفسه، ثم تكرر هذا، في الدولة العباسية حين تخاصم الأخوان الأمين والمأمون على الخلافة، وهناك أمثلة لا حصر لها في التاريخ الغربي أيضاً، ولكن الشبق السياسي وصل أوجه في الدولة العثمانية، حين كان الأخ السلطان، يقتل كل إخوته لكي لا يطالبوا بالحكم (كما فعل السلطان سليم الأول)، أو يقتل السلطان أقرباءه للسبب نفسه.كما ظهر الشبق السياسي جلياً في السياسة العربية في العصر الحديث، وذلك من خلال ما تم من توريث في النظم الجمهورية، وما سيتم مستقبلاً، كذلك أصبح الشبق السياسي مرضاً من الأمراض السياسية المستعصية، عندما أصبح الحاكم يُجدد لرئاسته أربع وخمس فترات، بعد أن يتم تعديل الدستور، مما يعني أن من يأتي بعده، سوف يقوم بالعمل ذاته، أو يعيد الدستور إلى عهده الأول، وهذا مستبعد، في ظل الظروف العربية العامة الآن.- 3 - معظم الحكام العرب، لديهم هذا النوع من الشبق السياسي، منه الظاهر ومنه الباطن. وهم محقون، وعلى صواب في شبقهم السياسي هذا، فليست هناك مهنة ناعمة ونعيمة كالرئاسة في العالم العربي، حيث لا سائل ولا مسؤول، ولا حساب ولا عقاب، وحيث مال الدولة هو مال الراعي، وحب الوطن من محبة الحاكم، ونقد الحاكم خيانة للوطن، والمعارضة فئة خارجة على القانون، و"القانون" هو شرعية الحاكم. والحاكم لا يستشير ولكن يُستشار، ولا أحد يجرؤ على سؤاله، ومجلس شعبه يقوم بالمصادقة على القرارات وليس بالتصويت عليها. وإذا أُرغم الحاكم على إجراء انتخابات رئاسية من قِبل الداخل أو الخارج، فإنه يفوز بالخمس تسعات 99.999% العربية المشهورة... إلخ، لذا، فإن الحكام لا يرجون اليومَ، الذي يتخلّون فيه عن الحكم. فهل شاهدنا حاكماً عربياً (سابقاً) حياً الآن، في العالم العربي، فيما عدا لبنان، والعراق الجديد؟- 4 -وإذا أردنا أن نمعن النظر في ظاهرة الشبق السياسي العربي على الساحة العربية الآن، أو ما يُطلق عليها الباحث العراقي دانا جلال (الظاهرة السفيانيّة) وهي ظاهرة "الملاذ الديني في السياسة"، إشارة إلى أبي سفيان، الذي لاذ بداره بعض أهل مكة عند "فتح مكة". والملاحظ اليوم، أن قادة الأحزاب الدينية في العالم العربي، هم أكثر القادة ابتلاء بالشبق السياسي. وأمامنا مثالان حيّان هما: مصر والعراق، ففي مصر نرى أن "جماعة الإخوان المسلمين"، تجد في الملاذ الديني خير وسيلة لتجييش الشارع المصري المتدين بطبعه، والذي تسهل قيادته من قبل الزعماء الدينيين، كما نرى الآن في السياسة، والإعلام (الفضائيات)، والفتاوى الدينية. وهذه "الجماعة"، ومنذ أن نوى مؤسسها ومرشدها العام على دخول معترك السياسة عام 1942 والترشح في الانتخابات التشريعية، وتراجعه عن ذلك، برغبة من النحاس باشا، والوعد– مقابل ذلك- بالسماح بفتح فروع للجماعة، في مختلف المناطق المصرية، وحتى هذا اليوم، و"الجماعة" تناطح وتباطح للوصول إلى الحكم في مصر بشتى الوسائل، حتى إن اضطرها الأمر إلى التحالف مع اليسار اللاديني- كحزب الوفد- وها هي الآن تتبنى البرادعي العَلْماني، لكي تستعمله رأس حربة لها، للوصول إلى هدفها.- 5 -أما في العراق، فبلغ الشبق السياسي الآن حداً عالياً، بعد أن رفض المالكي مبدأ تداول السلطة، وراح يتنقل بين طهران ودمشق مجيئة وذهاباً، طالباً "القُرب"، لكي يتمكن من البقاء في الحكم فترة خمس سنوات أخرى، بعد أن عطّل الحياة السياسية أكثر من سبعة أشهر حتى الآن، على أمل البقاء في منصبه فترة أخرى. بل، تناقلت الأنباء من بغداد، أن الشبق السياسي بلغ بالمالكي مبلغاً كبيراً، حين استبدل "حزب الدعوة" (وهو أحد أجنحة الإيديولوجية لـ "جماعة الإخوان المسلمين"، رغم إنكار قادة الحزبين) الذي يترأسه المالكي، صورة الإمام علي بصورته هو، وانتشرت في قلب بغداد والمناطق الأخرى– كما قال موقع "عراق الغد"– لافتات عليها صور تشبُّه المالكي بالإمام علي. وكُتبت عليها عبارات بحجم كبير، تقول: "حيَّ على خير العمل... المالكي هو الأمل". ثم عبارة أخرى تقول: "اللهم والٍ من والاه ... وانصر من نصره". وهي عبارة من تراث الإمام علي رضي الله عنه. وهذه عينة من الشبق السياسي العربي، الذي لن يوضع له حدٌ، إلا بالتطبيق الديمقراطي، واحترام الدستور، عملاً لا قولاً. فالتطبيق الديمقراطي الصارم– كما في الغرب– هو القادر على لجم هذا الشبق السياسي المحموم، وعزل الحكام بقوة القانون والدستور، إذا ما أصروا على الموت فوق كراسيهم.* كاتب أردني