لدينا في البلد حالة شيزوفرينيا (انفصام الشخصية) غريبة ومنتشرة بشكل واسع خاصة بين المثقفين والسياسيين وبعض الاقتصاديين، تجعل المفهوم الواحد له عدة معان حسب الموقع الذي يوضع فيه ووفقاً للمصلحة الشخصية لمستخدمه غالباً، فعندما تقدم الدولة من فوائضها عوناً اجتماعياً إلى مواطنيها، تقوم قائمتهم ويعتبرونها رشوة سياسية لشراء ولاء المواطنين، ولكنهم في المقابل عندما ترصد الدولة مليارات الدولارات للمديونيات الصعبة وللإنعاش الاقتصادي للقطاع الخاص الذي لا يسدد أي ضرائب - سوى رسوم رمزية - ويوظف أقل من اثنين في المئة من القوى العاملة الوطنية، ويحصل بعضهم على مناقصة إنشاء مستشفى بأكثر من مليار دولار وكأنهم سيكسون جدرانها بماء الذهب، فإن هذا الأمر برد وسلام وحق مستحق تشكر عليه الدولة والحكومة، ولا يمثل بأي شكل من الأشكال «رشوة الصفوة»!

حالة الشيزوفرينيا لدى منظرينا وبعض معدي التقارير الاقتصادية لدينا، تعتقد أن الناس بلهاء وغير مطلعين في زمن «التويتر»، وتنطلي عليهم هذه «الفذلكات» التي تغلف بتعابير اقتصادية ومصطلحات علم الاجتماع وأخرى فلسفية «غلجة»، وهم يتذاكون على الناس كما كان يفعل بعضهم في تونس ومصر وليبيا النفطية من إعداد تقارير عن التنمية هناك بمعدلات 5 و6 في المئة، ويهللون لزيادة الموجودات من العملات الأجنبية في بنوكهم المركزية بالمليارات، بينما كان الناس يعانون البطالة والغلاء والفساد، وكان الشعب هناك يعلم أن مكاسب التنمية تذهب إلى «بطون» المتنفذين والحاشية التي تستنفع ولا تنفع الدولة بتسديد مستحقاتها من ضرائب ومدها بموارد تمكنها من تحقيق العدالة الاجتماعية.

Ad

اليوم يا مثقفينا ومنظرينا ترى «العيال كبرت» قصدي الشعوب كبرت... وإذا أردتم حقاً أن ترسموا طرقاً للإصلاح تحافظ على استقرارنا وتضمن مستقبل أبنائنا ويدعمها الشعب وتكونون أنتم رموزها، فيجب أن يقترن نهجكم، الذي يتضمن نقد أسلوب المنح والمزايا التي تخدر المواطنين كما تصفونها، بمطالب تسبقها العدالة الاجتماعية التي بدونها تغرس بذرة الثورات، وهذه العدالة تستوجب مطالبة جدية بالضرائب التصاعدية، وحقوق الدولة في رسوم أراضي «مقاطعات المولات» وإصدار قانون «من أين لك هذا» الذي يعتبر المدخل الوحيد لمحاربة الفساد والإصلاح ومنع تزاوج «السلطة - المال»، وتحصيل رسوم الدولة العادلة مقابل خدماتها من طرق وكهرباء وماء للمنشآت الصناعية والتجارية، ودون ذلك فإنكم تروجون لإصلاح سياسي واقتصادي وتطوير اجتماعي ماركة «ليمتد» يخصكم وحدكم، يكون باتجاه واحد يستهدف مصالح وامتيازات الأغلبية من الشعب الكويتي لمصلحة فئة محدودة ستجني أرباح هذا الإصلاح دون أن تقدم شيئاً يذكر إلى البلد سوى صبغ أجنحة بعض المستشفيات ووضع أسمائها عليها أو إقامة مهرجانات «أم طقة» ودروع «التنك» في مسابقات حفظ القرآن الكريم.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة