المصافحة العارضة بعد الاختلاط العارض!


أن ترفض امرأة مصافحة وزير ما في مناسبة عامة لأسباب دينية فهذا ليس بالأمر الغريب, ولكن أن يرفض وزير مصافحة امرأة في مناسبة عامة للأسباب ذاتها فهو أمر غير معتاد ونادراً ما يحدث, ولكن وزير الاتصالات والإعلام والتكنولوجيا الإندونيسي مسلم محافظ (ونعني بمحافظ أنه ليس إسلاميا بالضرورة، بل إسلامي بتقاطع المصالح!) كان يرفض مصافحة النساء من غير محارمه ويعلن ذلك بمناسبة ومن دون مناسبة، ولكنه حين وجد نفسه أمام السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما مباشرة صافحها وهو «يتشقق» من السعادة أمام عدسات المصورين.

بالطبع لم تفوّت نساء إندونيسيا هذه اللقطة المحيرة فزحفن زحفاً على دبابات «الفيس بوك» ومدافع «التويتر» ليوجهن انتقادات لاذعة للوزير ويطالبنه بتفسير واضح لهذه المصافحة، فلم يجد الوزير دفاعاً أفضل من القول إنها مصافحة «عارضة»! وقال: «حاولت سحب يدي ولكن السيدة أوباما مدت يدها تماماً ناحيتي لذلك حدثت الملامسة!» ولكن عشرات الآلاف الذين شاهدوا مقطع الفيديو على موقع يوتيوب اعتبروا كلام الرئيس السابق لحزب العدالة والرفاهية سخيفا لأن الصور تكشف عن مصافحة حارة وليس ملامسة عارضة استدرج إليها الوزير في غفلة منه.

هذه المصافحة «العارضة» تذكرني بالاختلاط «العارض» للشيخ محمد النجيمي في الكويت, فالنجيمي الذي أزعجنا ليل نهار بالحديث عن خطر الاختلاط بين الجنسين ذهب إلى مؤتمر نسائي في الكويت، وكان فضيلته في منتهى «الانشكاح» وهو يختلط بالنساء ويناقشهن ويتبادل الطرائف معهن, وحين فتحت وسائل الإعلام السعودية هذا الملف أنكر في البداية حدوث الاختلاط, وبعد أن نشرت الصور في الصحف وعلى شبكة الإنترنت قال إن النساء اللواتي اختلط بهن كن من القواعد, ثم نشرت صور تكشف أن عدداً لا بأس به من الحاضرات لسن من القواعد بل في ريعان الشباب، فلم يجد ما يقوله سوى أنه كان «اختلاطاً عارضاً»! وبالطبع حاول الإيحاء إلى أنه استدرج إلى هذا الاجتماع مثلما استدرجت السيدة أوباما الوزير الإندونيسي.

المشكلة الكبرى أن يعلن شخص ما موقفاً متشدداً من أجل المتاجرة السياسية وليس انطلاقا من مبادئ راسخة، فتأتي لحظة «عارضة» تضعه أمام اختبار حقيقي لموقفه المفتعل فيتصرف بتلقائية كأي إنسان طبيعي، لينكشف دون قصد زيف الموقف الذي اتخذه, فهو في هذه اللحظة ينتمي إلى شخصيته الطبيعية ولا ينتمي إلى شخصيته «العارضة» التي اصطنعها أمام الناس! وقديماً قال الشاعر:

«لا تنه عن خلق وتأتي مثله... عار عليك إذا فعلت عظيم»!

*كاتب سعودي