"فقدت الأمل في استنشاق هواء نظيف خارج السجن"، بهذه العبارة استقبل رجل الأعمال أحمد الريان، الشهير بإمبراطور توظيف الأموال، باب الخروج من قسم شرطة العجوزة في القاهرة مساء أمس الأول، مخلفاً 21 عاماً من ذكريات الإحباط في السجن، وذلك منذ ألقي القبض عليه أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ليحكم عليه بالسجن 15 عاماً في قضية "توظيف الأموال" الشهيرة، ورغم انتهاء مدة حبسه منذ فترة، فإنه حكم عليه بالحبس في قضايا شيكات أخرى أجلت الإفراج عنه حتى أمس الأول.

Ad

خرج الريان من باب قسم الشرطة في مشهد مهيب، حيث تنتظره زوجته وبناته التسع وزوج ابنته مها، والعشرات من أهالي منطقته "العجوزة"، واختلطت تعبيرات البهجة بالدموع والزغاريد بالأسى. "إنها لحظة تاريخية في حياة أهم رجل أعمال جاء في تاريخ مصر"، قال محامي الريان باسم وهبة.

بدا على أحمد توفيق عبدالفتاح الريان التعب والإرهاق، بعدما تقدم به العمر، وتركت الأمراض العديدة التي أصابته داخل السجن بصماتها على جسده. وبصوت مرهق، قال لوسائل الإعلام التي رافقته في رحلة الخروج التي استغرقت حوالي ساعتين ما بين محكمة شمال الجيزة ومديرية أمن الجيزة وقسم شرطة العجوزة، "لا أستطيع الكلام اتركوني أستريح مع عائلتي لبعض الوقت".

وقال الريان، الذي توجه إلى منزله في المهندسين فور الإفراج عنه، لـ"الجريدة"، إنه في حاجة إلى الراحة مع أسرته التي حرم منها على مدار السنوات الماضية، مشيراً إلى أن قرار النائب بالموافقة على تقسيط المبالغ المالية المتبقية كان بمنزلة المفاجأة له، موجهاً شكره إلى النائب العام والنيابة التي أنهت إجراءات الإفراج عنه بسرعة.

وأكد الريان أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن خططه للأيام المقبلة، مشيراً إلى أنه في الوقت الحالي لا يفكر إلا في الجلوس مع بناته وأحفاده وأقاربه الذين حُرم منهم بشكل قسري طوال السنوات الماضية. وأضاف: "عليَّ أن أستريح حتى أقرر ما سأقوم به في المستقبل".

الريان وجه شكراً خاصاً إلى السلطات المصرية التي قبلت إنهاء آخر قضاياه بسلاسة، فهو كان مهدداً بالعودة إلى السجن مرة أخرى ليقضي 3 أشهر ثمنا لغرامة 900 ألف جنيه (حوالي 180 ألف دولار) كانت قد قررتها عليه المحكمة التي قضت بحبسه 15 عاماً في قضية توظيف الأموال.

السلطات ارتضت أن يدفع الريان مبلغ 200 ألف جنيه جمعها من أصدقائه، وأن يسدد باقي المبلغ، 700 ألف جنيه، على أقساط خلال ثلاثة أشهر. عاد الريان إلى منزله وتناول مع بناته أول إفطار رمضاني في حياة بعضهن، حيث أودع الريان في السجن حين كان بعضهن لا يزال ترفل في حُلل الطفولة البهية. سألناه عن خططه المستقبلية، فقال: "سوف أعيد حساباتي لأحدد الطريقة التي سوف أعود بها إلى السوق مرة أخرى، شغلي الشاغل حالياً هو أن أسدد ديوني وأستعيد ثقة المواطنين".

وعما إذا كان يستطيع تدبير بقية مبلغ الغرامة، 700 ألف جنيه، ردت ابنته مها نقلاً عن والدها: "رجل الأعمال حين يفلس يقلب في دفاتره القديمة فهي مليئة"، وعبرت مها عن أملها أن يستعيد والدها وجوده وامبراطوريته في عالم المال.

سألناه هل سيعيد نبش الماضي؟ فرد: "الماضي به ملفات كثيرة ليس من مصلحة أحد أن تُفتح".

الريان الذي تربع على عرش الاقتصاد المصري لسنوات، خرج من السجن مُحمَّلاً بأمراض القلب وضغط الدم والسكري، لذا قالت ابنته إن أول زيارة سيقوم بها والدها ستكون إلى الطبيب.

قبل 23 عاماً، أولت الحكومة المصرية اهتماماً بملف أحمد توفيق عبدالفتاح الريان. وفي مطلع سبتمبر سنة 1989، تم فتح ملفه، بعدما اكتشفت الحكومة أن أموال المودعين التي حصل عليها وأسرته تحولت إلى سراب، بعد أن غامر بها في البورصات العالمية، وحول جزءاً كبيراً منها إلى الولايات المتحدة والبنوك الأجنبية، بحسب التحقيقات المُعلنة. وبلغ ما تم تحويله طبقاً للأرقام المعلنة رسمياً، التي كشف عنها المدعي العام الاشتراكي وقتها، ما يقرب من 3 مليارات و280 مليون جنيه، وعُلم أن هناك مسؤولين ورجال دين وإعلاميين تورطوا مع "آل الريان"، وساهموا في تهريب هذه الأموال مقابل حصولهم على ما كان يُسمى وقتها بـ"كشوف البركة" تحت بند تسهيل وتخليص مصالح شركات توظيف الأموال في المؤسسات الحكومية.

الوضع برمته انفجر عقب فضيحة صفقة الذرة الصفراء، التي تمت بين شركات "الريان" وبنك التنمية والائتمان الزراعي بين عامي 1986 و1987،  والتي أدت إلى وجود أزمة في المحصول الرئيسي للبلاد، وتضاعفت أزمات الريان بعد ذلك، لتبدأ الحكومة المصرية في مطاردته عن طريق فتح ملفه الأسود، وتقديمه للمحاكمة بتهمة تلقي أموال مخالفة للقانون رقم 246 لسنة 1988، الذي طبقته حكومة د. عاطف صدقي، والخاص بتوفيق أوضاع شركات توظيف الأموال، وأعطت الحكومة لهذه الشركات مهلة لتوفيق أوضاعها ورد أموال المودعين.

وعلى الرغم من هبّة الحكومة لنجدة المودعين ضد أصحاب شركات توظيف الأموال، فشلت حكومات عاطف صدقي وكمال الجنزوري وعاطف عبيد وأحمد نظيف في حل مشكلة المودعين، ولم يحصل أغلبهم إلا على 50 في المئة فقط من مستحقاتهم من دون فوائد.